Monday, September 28, 2009

خمس سنين لا تكفى



أغمضت العين .. من النصب
قد كان اليوم طويلاً جدا
لا أذكر أين مضيت ... ساعة أغلقت السيارة
لكن ...
أذكر نظراتٍ من لهبٍ .. دغدغت القلب
أذكر أزهاراً تتراقصُ .. فى ساح القلب
أذكر موسيقى تتسرب .. من جوف الأذنِ لعمق القلب
لا يمكن أبداً أن أنسى خفقات القلب
مر سريعاً ذاك الحلم

اليوم الأول
أبصرت عيوناً تتوارى خلف الأستار
لم يكن الستر قماشياً ...... بل من أنوار
ما احتملت عينى أن تبصر ،،
لكنى أدركت بقلبي ،،
سحر الإبصار
و جلست أناجى عصفوراً
حتى مرت ساعات الليل

العام التالي
كانت تسقى شجرة رمان
يخفق قلبى ، يختلط الحاضر بالماضى
و أسائل نفسى .... هل يمكن ؟؟!
يخبرنى عقلى ؛ لا يمكن
فيرد القلب بلا خوف ، بل لا يمكن أن أخطئ حق الإبصار
يا سيدتى ..
تلتفت إلى ؛ فتتسمر كل الأشياء
و أرى نفسى أسطورياً ،، من عمق الماضى قد جاء
و هرقل الحاكم ناداني .. كيما أنقذ شجر الرمان
لكنى رحلت ....

و تمر الأعوام سريعاً .. خمسة أعوام
عصفورى الحالم قد مات
القلب النابض لا يخفق
شجر الرمان قد انكسر
و اليوم طويلا قد فات
قد فات طويلاً و كئيباً
لا أذكر إلا السيارة
و زمان الوجد
يا سيدتي
خمس سنين لا تكفينا

Saturday, September 26, 2009

الانطلاقات الحركية و إشكالياتها


الانطلاقات الحركية و إشكالياتها

 

1-  مفهوم الانطلاق الحركى .

2- العقائد ( المرجعيات العليا ) .

3- الايديولوجيا .

4- الاستراتيجية الحركية ( منهج العمل ) .

 لقد شهدت بلادنا منذ بدايات القرن الماضى بزوغ الكثير من الحركات ، سواءاً كانت هذه الحركات متمحورة حول قضايا التحرر الوطنى ، أو حول قضايا سياسية ، أو فكرية ، أو دعوية ، أو قضايا الإصلاح العام فى المجتمع . 

و قد حاولت فى هذه التدوينة البسيطة ؛ أن اتعرض سريعاً لأهم أشكال الانطلاقات الحركية ، و الإشكاليات التى تواجه هذه الانطلاقات ، ذلك أننا - اليوم - فى بلادنا - نحتاج إلى حركات تنويرية واعية ، تعمل فى كافة المجالات ، مستفيدةً من التاريخ الحركى الذى سبقها ، قادرةً على تلافى السلبيات و الأخطاء التى وقعت فيما مضى .

و أرجو أن تعذرونى على الإطالة الشديدة ، فقد حاولت التلخيص الإيجاز قدر استطاعتى ، و فكرت بتجزئة التدوينة ، و لكن نظراً لترابط الموضوع لم يمكننى فعل ذلك .

و أسأل الله العظيم ؛ أن يوفقنى - على الأقل - فى طرق هذا الباب البالغ الأهمية و لفت الأنظار إليه .

1- مفهوم الانطلاق الحركى :

ما أقصده بالانطلاق الحركى ؛ المنظومة التى تعتمدها الحركة - أياً كان تخصصها - فى نشاطها العام مع المجتمع و الأطراف الأخرى التى تحتك بها ، و هذه المنظومة تتشكل من ثلاثة أركان أساسية هى المنطلقات ، الوسائل ، الغايات و الأهداف .

·   المنطلقات : و هى النقاط الابتدائية - أو كما نسميها الثوابت - التى تضعها الحركة لنفسها ، و تحدد على أساسها الأهداف التى تريد الوصول إليها انطلاقاً من هذه الثوابت ، و الوسائل التى ستمكنها من الوصول إلى هذه الأهداف .

·  

     الوسائل : هى كافة السبل و الطرق الممكنة التى تسلكها الحركة فى إطار ثوابتها و ضوابطها للوصول إلى أهدافها و غاياتها .


·   الأهداف : و هنا أقصد الأهداف المرحلية لكل مرحلة من مراحل العمل ، طبقاً لخطة هذه المنظمة أو الحركة ، كما أقصد أيضاً الغايات النهائية ، و التى تحقيقها يعنى نجاح الحركة الكامل ، و فى بعض الأحيان يعنى عدم ضرورية وجود الحركة أصلاً .


2- العقيدة ، و الانطلاق العقدى :

 إذا أردنا أن نكشف فى المعجم عن الأصل اللغوى لكلمة عقيدة ، سنجدها فى مادة ( ع - ق - د ) ؛ باب العين فصل القاف مع الدال .

و من ذلك يمكننا أن نعرف العقيدة لغةً ؛ بأنها الشئ الذى يعقد عليه ، و العقد هو أعلى درجات الرباط .

و تحتاج العقيدة لتتكون بهذا الشكل ثلاث مراحل :

أ‌-  مرحلة عقلية : هنا تحدث قناعة عقلية تامة بمبادئ و أصول هذه العقيدة .

ب‌  مرحلة إيمانية قلبية : هنا تتمثل هذه القناعة فى عاطفة إيمانية صادقة .

ت‌- مرحلة سلوكية : هى نتيجة طبيعية لهذه لعاطفة الحقيقية ، و هنا نجد أن الإيمان بهذه العقيدة متمثل فى تصرفات الإنسان و سلوكياته .


للعقيدة خصيصيتان فى منتهى الأهمية :

1-  قد تكون العقيدة عبارة عن فكرة بسيطة ، أو عدة أفكار مركبة ، فتركيبية الأفكار ليست شرطاً من شروط العقائد .

2-   العقائد لا تخضع - مطلقاً - للتغيرات المجتمعية الزمانية أو المكانية ، و على ذلك فإنه يمكننا أن نقول أن العقيدة تتجاوز الزمانية و المكانية .

و هاتان الخصيصيتان هما من أهم مايميز العقيدة عن الايديولوجيا ، و سنتعرض لذلك بالتفصيل فيما بعد .


كما أن العقائد لها معايير كمية ، فهناك من يعتقد فى شئ بنسبة 30 بالمائة ، و هناك من يعتقد فى نفس الشئ بنسبة 90 بالمائة ، و من هنا نستطيع تفسير قول رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) لصحابته ؛ ما سبقكم أبو بكر بكثير صلاة أو صيام ، و إنما سبقكم بشئ وقر فى قلبه ، مع أن الصحابة كانوا مؤمنين ، إذن فهناك معنى آخر – توحيه إلينا كلمة سبقكم – ذلك المعنى فى رأيى هو المعيار الكمى .


و للعقائد أمثلة كثيرة نذكر منها :

1-  الاعتقاد فى وحدانية الله :  يقول الله تعالى ” ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق و لعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ”  صدق الله العظيم .

2-  الاعتقاد فى المبدأ الحلولى الكمونى ؛ و الذى يبين لنا أن الإله قد حل تماماً فى الكون ، وبذلك فإن المرجعية النهائية - التى كان الإله مركزها - أصبحت كامنة فى هذا الكون حالةً فيه ؛ و من هذه العقيدة تولدت العديد من الايديولوجيات و الفلسفات الغربية ؛ خاصة فيما عرف بعصر التنوير بأوروبا .

3-  الاعتقاد فى أن الإله قد حل فى إرادة الشعب : و هو ما أسس للفكر الماركسى و الثورى بشكل عام .

4-  الإعتقاد فى أن المسيح هو ابن الله .

و غير ذلك الكثير و الكثير من العقائد التى مر بها التاريخ البشرى .

الانطلاق الحركى من العقائد فحسب ، بمعنى الانطلاق المباشر من العقيدة قبل صياغة الايديولوجيا ، أو تحديد الاستراتيجية ، يؤدى ذلك إلى ظهور حركات تتميز بقدر عالٍ من الحماس ، و لكنها تفتقر إلى النضج الفكرى و الحركى .

تعرف هذه المرحلة ؛ بمرحلة الصحوة .

يمكن التمثيل على ذلك ؛ بالحركات الإسلامية فى السبعينيات و الثمانينيات فى مصر .

3- الايديولوجيا :

يمكننا أن نعرف الايديولوجيا ؛ بأنها مجموعة من الأفكار التى تتعاقد و تتشابك لتنتج ما يعرف " بالمنهج الفكرى المرجعى " ، الصالح لمرحلة زمنية معينة ، بمكان و واقع معين .

و المنهج الايديولوجى ؛ هو منهج تطرح فيه الإشكاليات الفكرية المثارة ، كما تطرح الرؤى و الحلول التى تتبناها الحركة و المنظمة .

كيف تصاغ الايديولوجيا ؟

1-   بدايةً ؛ تحتاج الايديولوجيا إلى عقيدة واضحة ترتكز عليها ( و هى التى تحدد الثوابت ) .

2-   بالإضافة إلى الأفكار النظرية التى تعتمد على طبيعة المكان و الزمان ( الرؤى الحالية ) .

3-  و تحتاج لصياغتها إلى وجود منظرين فاعلين ، يعملون على الربط بين المبادئ العقدية " الثوابت " و الأفكار النظرية " الرؤى " .


انتشار المنهج الايديولوجى : يعتمد المنهج الايديولوجى فى انتشاره فى المجتمع على عدة عوامل من أهمها :

1-  العقيدة التى يستقى منها ذلك المنهج ، و تواجدها فى المجتمع بمعياريها الكيفى و الكمى ، فالمجتمعات الإسلامية أكثر تقبلاً للايديولوجيات المستقاة من عقائد إسلامية ( المعيار الكيفى ) ، و المجتمعات الأكثر تمسكاً بالإسلام و مبادئه ستصبح أكثر قابلية لانتشار الايديولوجيات الاسلامية وسطها عن المجتمعات الأقل تمسكاً بالإسلام ( المعيار الكمى ) .

2-  ملائمة الأفكار النظرية الموضوعة ( الرؤى ) للواقع و إشكالياته .

3-  فعالية منظرى ذلك المنهج الايديولوجى فى صياغته ، و توصيله للشرائح المختلفة فى المجتمع .

كما نذكر ؛ أنه من أهم خصائص المنهج الايديولوجى الواضح و الواقعى ؛ أنه يضمن إلى حد كبير الوحدة الفكرية بين أبناء الحركة أو المؤسسة المتبنية لهذا المنهج ، و ذلك دون الوقوع فى إشكالية القولبة ، ذلك أن المنهج الواضح يمكننا من تحديد الأطر جيداً ، و التمييز بين الثوابت و الرؤى الحالية ( الزمانية و المكانية ) .

الانطلاق الحركى المباشر من الايديولوجيا ( دون تحديد استراتيجيات حركية واضحة ) يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى عام ، و لكنها تفتقر إلى النضج و الوعى الحركى

و ذلك ما يؤدى - فى الغالب - إلى ظهور نتائج أقل من المتوقعة ، و هو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى انخفاض مستوى الحماس العام بين أفراد الحركة أو المؤسسة .

4- الاستراتيجية الحركية " آليات العمل " :

يمكن أن نعرف الاستراتيجة ؛ بأنها مجموعة من الخطوات المتتالية ، المخطط لها مسبقاً من قبل حركة أو منظمة .

أما الحركية : فهى تتعلق بنوعية التخصص و المجال الذى تعمل به الحركة أو المنظمة ، فإذا كانت تعمل مثلاً فى المجال السياسى ، نستطيع أن نتحدث عن الاستراتيجية السياسية .

تعتمد الاستراتيجية الحركية على :

1-  المنهج الايديولوجى الذى تتبناه المنظمة أو الحركة ؛ بثوابته العقدية الفلسفية و رؤاه الحالية ( الزمانية و المكانية ) .

2-  القاعدة الجماهيرية لهذه المنظمة .

3-  موازين القوى على صعيد العمل النوعى التخصصى الذى تعمل المنظمة من خلاله .

4-  المناورات و التكتيكات الحركية ، و ضوابطها النوعية و الكمية ، طبقاً لايدولوجية المنظمة .

الانطلاق الحركى من الاستراتيجية الحركية المرتكزة إلى ايديولوجيا حقيقية يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى و حركى .

و هو ما يؤدى فى الغالب إلى ظهور نتائج إيجابية ، و بالتالى فإن هذه المرحلة تتميز بجماس عالٍ نظراً لإيجابية النتائج .


مثال : حزب العدالة و التنمية التركى ؛ نجد أنه يتميز بعقيدة راسخة ، و ايديولوجيا واقعية ، كما أنه يمتلك استراتيجية حركية متميزة .


                         مقارنة تجميعية بين الأشكال المختلفة للانطلاقات الحركية 

وجه المقارنة

الانطلاق العقدى

الانطلاق الايديولوجى

الانطلاق الاستراتيجى

درجة الوعى

منخفض

مرتفع

مرتفع

درجة الحماس

مرتفع

منخفض

مرتفع



 

Wednesday, September 9, 2009

بين التمدد الحضارى و نظرية المؤامرة

السلام عليكم و رحمة الله
أصدقائى الأعزاء ،،
هناك الكثير من القناعات و الأفكارالتى تستحق أن نعيد النظر بها
واحدة من هذه القناعات رؤيتنا لنظرية المؤامرة ،، و مفهومها عندنا
أتمنى أن تكون تدوينتى البسيطة معيناً على فتح الموضوع ،، و إعادة النظر به مرة أخرى
لن أطيل عليكم و اترككم مع التدوينة ،،،،،، أتمنى أن تحوز رضاكم


بين التمدد الحضارى و نظرية المؤامرة


1- نظرية المؤامرة كنموذج تفسيري .
2- دوافع تبنى النظرية .
3- القدرة التفسيرية لنظرية المؤامرة .
4- إشكاليات الإيمان بمطلقية النظرية .
5- فكرة التمدد الحضاري واختلافها عن نظرية المؤامرة .


1- نظرية المؤامرة كنموذج تفسيري

تطرح نظرية المؤامرة كثيراً فى مجتمعاتنا العربية و الإسلامية - خاصة من أبناء التيارات القومية و الإسلامية - كنموذج تفسيري يفسر حالة الشرود الحضارى التى أصيبت بها أمتنا العريبة و الإسلامية فى القرون الأخيرة .
النظرية ببساطة ؛ تحاول تفسير الحالة العدائية المقصودة ضد الأمة من قبل العديد من الأطراف ، و التى أخذت أشكالاً مختلفة بدءاً بالعداء المقنع الذى قد لا يتضح إلا بمرور زمن طويل من خلال رصد الأحداث التاريخية و تحليلها ؛ وصولاً إلى العداء المباشر و الذى قد يأخذ شكلاً عسكرياً ، مروراً بالأشكال العدائية المختلفة و التى قد تتمثل فى التحالفات و التلاعب بموازين القوى ، أو الحروب الاقتصادية ، أو عمليات الغزو الفكري و الثقافي، و غيرها من الأشكال المختلفة التى تساهم فى تكريس هذه الحالة .
و مما زاد من قدرة هذه النظرية على التفسير ؛ الدرجة التى وصلت إليها دولنا العربية و الإسلامية من التراجع الفكري و الحضاري ، و أيضاً المصادفات التاريخية التى وضعتنا – تقريبا – فى حالة عداء مع كل الأطراف المغايرة .
الأمر الذى أظهر هذه الأطراف كلها و كأنها متفقة على مناصبة أمتنا العداء ، بغض النظر عن أى مشروع فكرى أو ثقافى تطرحه هذه الأطراف .
فانطلاقاً من نظرية المؤامرة ؛ نستطيع أن نفسر كل المشاريع الفكرية الإنسانية التى تبنتها الأطراف المغايرة ، بأنها مشاريع إنما وضعت لتبرير الظلم الواقع علينا من قبل هذه الأطراف .
و قد بالغ البعض فى اعتبار هذه النظرية النموذج الأمثل لتفسير كل ما أصابنا من شر ، بغض النظر عن أى عوامل داخلية أو حضارية استلزمت ما حدث لنا ، فمن وجهة نظرهم أن هذه العوامل الداخلية هى أيضاً كانت بفعل الأطراف الخارجية الشريرة المتآمرة على أمتنا النبيلة البريئة الطاهرة .

2- دوافع تبنى النظرية

كما أشرنا ؛ فإن هذه النظرية تعد من أكثر النظريات رواجاً لتفسير ما أصاب دولنا العربية و الإسلامية - على وجه الخصوص من قبل أبناء الاتجاهات الفكرية القومية و الإسلامية - و ذلك له العديد من الأسباب من أهمها :
1- حالة الركود التى أصابت أمتنا ، و التى - بلا شك - لها العديد من الأسباب الخارجية ، و الدلائل المبينة على ذلك .
2- ظهور العديد من المرجعيات الفكرية و الفلسفية المغايرة فى القرون الأخيرة ، خاصة فيما يعرف بمرحلة التنوير بأوروبا و العالم الغربي ( الشيوعية الماركسية و اللينينية ، العلمانية ، الليبرالية ، الفاشية ، و غيرها ) .
3- ارتباط المرجعيات الإسلامية بمفهوم القداسة ، التى نتجت عن استقاء أصول و ثوابت هذه المرجعية من الدين الذى يحمل قدسية خاصة عند معتنقيه ، مما أصبغ على هذه المرجعيات فكرة الصواب المطلق ؛ و بالتبعية فكرة الخطأ المطلق على ما يغايرها ، و ذلك و إن لم يكن بشكل فكرى خالص - نتيجة الاعتقاد فى أن الفهم البشرى للدين و استقاء الأصول منه يختلف عن الدين المقدس فى حد ذاته - فإنه بلا شك تم بشكل عاطفى و نفسى نتيجة الخلاف الواضح و الصريح بين ثوابت و قيم الدين و بين العديد من الأصول و المنطلقات لهذه المرجعيات المغايرة ؛ خاصة فى فلسفاتها حول الوجود البشرى و أهدافه ، مما أحالها - من هذه النظرة - إلى مشاريع فكرية شريرة و هادمة .
4- ارتباط المرجعيات القومية بالمكان ، فالمكان هو جزء من المرجعية و يحدد كثيراً من منطلقاتها ، فبزوغ مرجعيات أخرى من أماكن مختلفة ، حينما تواكبه حالات الضعف و الاضمحلال ، يؤدى إلى اتهام هذه المرجعيات بالعدائية و من ثم فإن ذلك يكرس لنظرية المؤامرة و يؤكد على صحتها .
5- الظروف التاريخية ؛ التى مرت بها أمتنا ، و التى يمكن تفسير الكثير منها من خلال نظرية المؤامرة .
كل هذه الأسباب و غيرها ، أدت إلى رواج نظرية المؤامرة و تدعيمها ، بل و اعتبارها - فى بعض الأحيان - ثابت كونى لا يصح النقاش حوله .

3- القدرة التفسيرية لنظرية المؤامرة

على الرغم من قدرة نظرية المؤامرة التفسيرية للعديد من الظواهر التى مرت بها أمتنا ، إلا أنها وقفت عاجزة أمام الكثير من الأمور ؛ التى لا يمكن تفسيرها انطلاقاً من النظرية ، من أهم هذه الأمور :

1- الصراعات العنيفة التى دارت بين المرجعيات المختلفة و المغايرة تماما ؛ و هو ما ينفى أى شبهة تآمر أو تخطيط مسبق ؛ ذلك أن بعض هذه الصراعات وصلت إلى درجة التعدى العسكرى ، و هو ما يؤكد أن منطلقات هذه المرجعيات المغايرة لا يمكن اختزالها فى منطلقات تآمرية و حسب ، و هذه الصراعات قد تصور لنا أن المعركة هى معركة وجود بين مختلف الأطراف .
2- الخلافات الفكرية العنيفة بين المرجعيات و الايديولوجيات المغايرة ؛ بل و حتى بين أتباع الايديولوجيا الواحدة ، و التى عند تأملها نجد أنه قد بذل فيها مجهود فكرى و تنظيرى ضخم جداً ، و هو ما يصعب ترجمته من خلال نظرية المؤامرة .
3- غياب الدافع الحقيقى للتآمر عند الكثير من منظرى و أتباع المرجعيات المغايرة ، فلو افترضنا أن هذا التآمر هو ضد الفكرة الإسلامية ؛ فبماذا نفسر تآمر الكثير من اللادينيين أصحاب المذاهب الفكرية المختلفة .
4- البعد التاريخى ؛ و الذى يؤكد أن كثيرا من المرجعيات و الايديولوجيات المختلفة ، هى أصلاً مؤصلة من قبل ظهور الإسلام و تبلور الثقافة العربى ، فنظريات فلاسفة اليونان و الصين و مصر القدماء ؛ مليئة بالأفكار التى تتشابه إلى حد بعيد مع المرجعيات الغربية المغايرة ، فعلام كانت تتآمر هذه النظريات القديمة إن لم تجد أصلاً ما تتآمر عليه !!!!
5- الاقتناع الكامل بالكثير من المرجعيات الغربية من قبل العديد من المفكرين العرب و المسلمين ؛ مع احتفاظهم بالانتماء الوطنى و القومى ، و العدائية الكاملة لأعداء الأمة ، و هنا مثلاً لو ضربنا مثالاً على المرجعيات اليسارية ؛ فلاشك أن اليسار المصرى أو المغربى – برموزه البارزين - لم يتحالف يوماً مع اليسار الإسرائيلى .
هذه الأمور و غيرها ، لم تستطع – فى رأيى – نظرية المؤامرة ، إيجاد تفسيرات مقنعة لها .

4- إشكاليات الإيمان بمطلقية النظرية

أقصد بالمطلقية هنا ؛ الاعتقاد فى صحة النظرية المطلقة ، و اعتبار النظرية ثابت و منطلق نستطيع التحرك منه .
هنا ستصادفنا عدة إشكاليات من أهمها ؛ أن نظرية المؤامرة هى نظرية تفسيرية ، و التفسير يشغل موقعاً خطيراً و حساساً فى منظومة الفكر العام ، ذلك أن التفسير هو الذى يحدد المنطلقات و الغايات و الأهداف ، من هنا فإنه إن حدث خلل واضح فى التفسير ، فإن ذلك يوقعنا فى شرك الشرود الفكرى ، و من ثم فإنه يكرس لحالة الشرود الحضارى .
من السلبيات التى ستواجهنا أيضاً ، رؤية الآخر بنظرة معينة تقضى بأنه عدوٌ متآمر ، و من ثم رؤية كل ما أتى به على أنه منهج تآمرى فاسد ، و لا يحمل أى وجاهة و لا مبررات فكرية أو منطقية ، و كل ما يحويه من خير إنما هو من باب التمويه و دس السم فى العسل ، و ذلك المبدأ يخالف الطبيعة الإنسانية و البشرية ، و التى تقضى بأنه من المستحيل أن يجتمع كمٌ هائل من البشر على شر محض ، كما أنه يضعنا فى خانة العداء الشديد مع كل الأطراف المغيرة ، و هو ما ينقلنا إلى نقطة فى منتهى الخطورة ، و هى انتشار روح اليأس و الإحباط ، ذلك أن العالم كله يقف ضدنا .
توجد أيضاً إشكالية كبيرة ، و هى إلى حد ما تتعلق أيضاً بالاشكالية التفسيرية ، و هو أن كل الأسباب الداخلية و الحضارية التى أدت إلى تراجعنا و شرودنا ، سيتم إهمالها و يعول بشكل كبير على الأسباب الخارجية التى هى السبب الأول فى كل ما حدث لنا ، و بالتالى فإن المهمة الكبرى المنوطة بنا هى البحث عن نقاط ضعف أعدائنا و إظهارها ، فتتكاثف الجهود لذلك ، مهملة تماماً ، البحث عن نقاط القوة فى الذات و تدعيمها ، أى أننا سننشغل بهدم الآخر عن بناء أنفسنا .
كل ما ذكرته من سلبيات و إشكاليات ؛ فغنه يتعلق بالاعتقاد فى مطلقية النظرية ، لأن إهمال النظرية تماماً ، و الرؤية البريئة للآخر ، لها أيضاً العديد من السلبيات التى ربما تفوق ما قد سبق ، و لكن - فى رأيى – أن الأمر يصبح مفهوماً أكثر ، إذا فهم من خلال نموذج التمدد الحضارى و الفكرى .

5- فكرة التمدد الحضاري واختلافها عن نظرية المؤامرة

فكرة التمدد الحضارى و الفكرى ؛ يتناولها البعض تحت عنوان صراع الحضارات ، و هو ما أرفضه ظناً منى أن الأمر تحت هذا العنوان يفقد الكثير من قدرته التفسيرية للكثير من الأحداث التاريخية التى مر بها الجنس البشرى .
الفكرة ؛ يمكن التعبير عنها بأن كل فكرة إنسانية – بسيطة كانت أو معقدة – بمجرد توليدها ، فإنها تدخل فى معركة لإثبات الوجود و الانتشار و السيادة على بقية الأفكار الأخرى المطروحة ، و هكذا الأمر يطبق على الايديولوجيات و المرجعيات المختلفة ، فكل منها يسعى للتمثل على أرض الواقع فى نموذج حضارى سائد و مثالى .
و هنا نجد أن الفرق واضح و كبير بين هذه الفكرة و بين نظرية المؤامرة ، فنظرية المؤامرة تفترض السعى لهدم الآخر ، أما فكرة التمدد الحضارى فتفترض السعى من أجل إثبات الوجود .
و انطلاقاً من هذه النقطة ؛ فإننا لا ننفى الخيرية و الوجاهة عن المرجعيات و الأفكار الأخرى ، و لا نفترض العدائية المباشرة بين الأطراف الأخرى ، و لكننا فى ذات الوقت لا نفترض حسن النية المبالغ فيها ، لأننا نعلم أن النماذج الحضارية المختلفة تسعى فى النهاية لإثبات وجودها ، بل و سيادتها على النماذج الحضارية الأخرى .

فى الختام ،، أعلم أن الموضوع كبير و معقد ، و لا يمكن تغطية كل جوانبه فى تدوينة بسيطة ، و لكن فى النهاية أتمنى أن أكون استطعت إيصال وجهة نظرى لحضراتكم ،،،، و الله المستعان .

Thursday, September 3, 2009

الفن بين الرسالية و الأدلجة

بسم الله الرحمن الرحيم

بدايةً ، أود أن أعتذر لكم عن عدم تقديمى للمدونة ، و البدء مباشرةً
ذلك أنى لا أحب المقدمات كثيراً
و قبل أن أعرض عليكم أولى تدويناتى

فإننى أود - من باب من لم يشكر الناس لم يشكر الله - تقديم الشكر لكل من

معاذ ، عمار البلتاجى ، إسلام بلبولة

إذ أن هذه التدوينة هى نتاج نقاشات كثيرة معهم

الآن أترككم مع أولى تدويناتى .. أتمنى أن تحوز إعجابكم




الفن بين الرسالية و الأدلجة

1- ماهية الفن .

2- دور الفن فى المجتمع .

3- معايير الحكم .

4- الرسالية كمعيار .

5- أدلجة الفنون .



1- ماهية الفن :


حينما أتحدث عن الفن ، فإننى أقصد الفن بمعناه الواسع الذى يشمل أنواعاً كثيرة و متعددة من أشكال الإبداع البشرى .

و على ذلك يمكن أن نعرِّف الفن ؛ بأنه كل إبداع إنسانى يحتاج إلى موهبة خاصة ؛ يتفرد بها الفنان عن غيره من الناس .

و تشترك الفنون جميعاً - بأشكالها المتباينة و المختلفة - فى أنها تعد نتاجاً نهائياً لعملية تفاعلية معقدة تتم بين العقل و الشعور أو الوجدان .

فالوجدان يطلق صافرة بدء الانسياب الفنى ، و العقل - بعد ذلك - يوجه هذا الانسياب و يبلوره فى نموذج فنى معين .

أى أن العمل الفنى الحقيقى و إن كان - بلا شك - يحتاج إلى العقل و التفكير المنطقى لبلورته و اكتماله ؛ إلا أن صاحب اليد العليا - دائما ً- فى الفنون الإبداعية الإنسانية يظل هو وجدان الفنان ، و هذه النقطة تعد فى غاية الأهمية عندما نريد أن نحدد معايير الحكم على العمل الفنى .


2- دور الفن فى المجتمع :


لا خلاف أن الفن الحقيقى يلعب درواً هاماً و فعالاً فى المجتمع ، و لكن الخلاف يظهر و يتضح عندما نتحدث عن ماهية و شكل هذا الدور الذى يلعبه الفن فى المجتمع .

فى رأيى ؛ إن الفن الحقيقى الصادق هو ذلك الفن الذى يعبر عن مجتمعه ، بأحلامه و واقعه ، بسلبياته و إيجابياته ، بآلامه و آماله ، و أظن أن هذا هو الدور الحقيقى الذى يجب أن يعوَّل على الفن " التعبير الصادق عن المجتمع " .

أما الأدوار الأخرى ؛ التى يعتقد البعض أنها يجب أن تلقى على عاتق الفن و الفنانين ، كعرض الأطروحات و الايديولوجيات ، أو التعريف بالصواب و الخطأ ، فأنا أرى أن هذه الأدوار - على أهميتها - ليست من أدوار الفن الحقيقية ، و إنما يمكن أن تكون من أدوار الفكر أو الاجتماع أو غيرهما من العلوم الإنسانية النبيلة الأخرى ، أما الفن - بشكله الذى أؤمن به - فلا أظن ذلك .


3- معايير الحكم :


يمكننا من خلال ما سبق أن نقسم معايير الحكم على العمل الفنى إلى قسمين :

1- معايير شعورية وجدانية :

فى رأيى ، أن هذه المعايير هى الأهم ، و ذلك لأنه - كما قلنا - أن الوجدان هو صاحب اليد العليا فى إنجاز الأعمال الفنية الحقيقية ، لذلك فإنه من بابٍ أولى أن يكون الحكم على هذه الأعمال مكافئ للشكل الذى أنجزت به .

و يشمل هذا القسم عدة معايير ، تختلف باختلاف كل قالب فنى ، و لكنها تشترك فى ؛ ضرورة صدق العاطفة ، و الاتيان بما هو جديد ، و حجم الخطاب الإنسانى النفسى .

2- معايير عقلية منطقية :

لا يمكن إغفال هذا القسم أيضاً ، لأن العاطفة الصادقة لا يمكن أن تتبلور فى شكل عمل فنى إلا بالعقل و التفكير المنطقى ، فهذه المعايير هى التى تضمن للقالب الفنى وضوحه و خصوصيته ، كما تحفظه دائماً كنموذج يستطيع الفنان الإبداع من خلاله .

و يشمل هذا القسم عدة معايير ، من أهمها ؛ الحفاظ على قواعد و قوانين هذا الفن ( مثلاً فى الشعر يمكن أن نتحدث عن الوزن و القافية و الأبحر الشعرية ) ، و أيضاً الرسالة العقلية التى يريد الفنان إيصالها للمتلقى " رسالية العمل الفنى " .


4- الرسالية كمعيار :


الرسالية - التى أقصدها - يمكن أن نعبر عنها بالقيم الأخلاقية و الإنسانية التى يريد الفنان إيصالها للمتلقى من خلال العمل الفنى الذى يقدمه ، و كما أشرت سابقاً ؛ فإن هذا المعيار يعتبر واحداً من المعايير العقلية التى يحكم بها على العمل الفنى .

عندما تأخذ الرسالية - كمعيار - هذا الحجم ، فلا تظهر أية إشكالية ، المشكلة الحقيقية تتجلى عندما تأخذ الرسالية حجماً يختلف عن حجمها الحقيقى ، فتظهر عندنا إشكاليتان :

أ- إشكالية فى إنجاز العمل الفنى :

هنا يجعل صاحب هذا العمل اليد العليا لمعيار الرسالية ، و هذا يختلف عن طبيعة الفنون - التى يجب أن تكون اليد العليا فيها لوجدان الفنان كما أشرنا من قبل - فيتعامل مع العمل الفنى ؛ و كأنه بحث يريد إنجازه ، أو خطبة وعظية يريد من خلالها أن يرسخ عدة مبادئ ، وهو ما يحيل هذا العمل الفنى إلى كيان مشوه ، كما أنه يصبح غير صالح لتخويله الدور الحقيقى الذى يلعبه الفن فى المجتمع ، و هو " التعبير الصادق عن ذلك المجتمع " .

ب- إشكالية تقييم العمل الفنى :

هذه أيضاً تعتبر إشكالية كبيرة ، إذ أنها تضع فنوناً ذات قيمة فنية عالية ، و ترفع فنوناً أخرى لا قيمة لها .

لا أحد ينكر أن الرسالية معيار هام فى الحكم على الفنون ، و لكنها لها وزن نسبى معين ، فالفنان الذى لايراعى هذا المعيار ، قد أخطأ ؛ و لكنه خطأ لا يدمر عمله الفنى أبداً ، و هكذا تطبق نفس القاعدة مع العمل الفنى الذى راعى معيار رسالية عمله الفنى ، و أغفل المعايير الأخرى التى تفوق الرسالية فى الأهمية و الفاعلية .


5- أدلجة الفنون :


أقصد بالأدلجة ؛ تحويل العمل الفنى إلى ساحة تتصارع فيه الايديولوجيات الفكرية لتنتصر إيديولوجية معينة فى النهاية .

فى رأيى ؛ هذه جريمة ترتكب فى حق الفن ؛ إذ أنها توكل إليه دوراً ليس من أدواره على الإطلاق ، كما أنها تستخف بعقل المتلقى و تفكيره إلى حد بعيد .

و إذا كنّا قد تحدثنا عن الإشكاليات الناتجة عن إعطاء الرسالية - كمعيار حكم - حجماً يختلف عن حجمها ، فإن هذه الإشكاليات تتضاعف و تتفاقم عند حدوث ما يعرف بأدلجة الفنون ، ذلك لأن الرسالية - أولاً و أخيراً - مبدأ غير مرفوض إنسانياً ، فلا أحد يختلف حول معانى العدل و الحرية و المساواة و الصدق وغيرها من القيم الإنسانية النبيلة ، أما الايديولوجيات المختلفة - و هى فهم هذه القيم بشكل معين و تحويلها إلى منهج فكرى مرجعى - فإن هذه الايديولوجيات لا يتفق عليها إلا أتباعها ، فهى أبداً ليست محل اتفاق إنسانى .

الطامة الكبرى ؛ هى عندما يتم تصنيف الفنون على أساس ايديولوجى ، فنحن هنا لم نعطِ للايديولوجيا - التى هى أصلاً ليست معياراً فى الحكم - لم نعطها حجماً أكبر من حجمها فحسب ، و إنما جعلنا التصنيف على أساسها ، فنجد ما يعرف بالأدب الإسلامى و الأدب الاشتراكى و الأدب الليبرالى و غيرها من التقسيمات التى - كما أرى - تستخف بعقل المتلقى و لا تحترم تفكيره

بالمناسبة ؛ أنا لا أرفض هذه التقسيمات إذا كانت تعبر عن المجتمع ، بمعنى أن يصبح تعريف الأدب الإسلامى محدداً فى ذلك الأدب الذى يعبر عن المنطقة الإسلامية ، مثله مثل الأدب العربى أو الأوروبى ، و كذلك الأدب الاشتراكى بمعنى الأدب الذى يعبر عن المجتمعات الاشتراكية .



ختاماً ، أذكِّر بأننا فى دولنا العربية ؛ ظلمنا الفنون كثيراً ، حينما ألقينا على عاتقها أدواراً ليست من أدوارها الحقيقية ، و ظلمنا الفنانين ؛ حينما اعتبرناهم مفكرين و منظرين .

و من وجهة نظرى ؛ فإننا يجب أن نعيد للفن وظيفته الأصلية فى التعبير عن الإنسان و المجتمع .

آسف على الاطالة ، و أتمنى ألا أكون أصبتكم بالملل


نقطة نور




و ترنو عيونى لحلمٍ جميل
و يسكن ذا القلب سرٌ دفين
****
فلا الحلم أضحى قريب المنال
و لا القلب أفضى بسر الحنين