Sunday, December 27, 2009

كشيخٍ حزين يجيد الرثاء


بقاياى أنّت

تعاهد فجراً يخون العهود

و تبكى حكايا الزمان القديم

و تركض حتى تتوه الدروب

تعانق ظلاً ..

و تعجب للظل لا يحتويها

و لا يلتقيها بنفس العناق

فتمضى حزينة ..

أخان الرفاق ؟؟

***

بقاياى أنّت

و صاحت و ثارت بشوق الرضيع

لثدىٍ يضن بحلم الحياة

و يمعن فى ذله ما استطاع

فبالله هل يمتطى ذا الرضيع

جواداً ليرجع حلم الجياع ؟!!

أشيروا عليه برأىٍ حصيف

و لا تخدعوه

***

بقاياى أنّت

و غاصت بنهرٍ من الذكريات

على جانبيه استراح الوجود

و هدأ الجميع

و حلّ الظلام

كضيفٍ كئيبٍ أضاع السبيل

و طافت بروحى أغانٍ قديمة

أغانٍ تودع شمس الرحيل

تذكر قلبى بمعنى الضياء

فرمت الغناء

***

بقاياى أنّت

فهل تنصتين لصوت الأنين ؟؟

أتوق إليكِ .. بحقٍ أتوق

أتوق لليلٍ كثيف النجوم

نعد النجوم و ننسى الزمان

و ننسى المكان

و ننسى ظلاماً بقلبٍ سجين

فهل تنصتين ؟؟

***

بقاياى أنّت

و تبقى القصيدة جرحاً كبير

أحاول عبثاً و لا أستطيع

أجفف دمعى ببعض الحروف

فتأبى حروفى ورود الربيع

و رقص البنات و ضرب الدفوف

تلوذ الحروف بحصن البكاء

و يخرج شعرى كشيخٍ حزين

يحب البكاء

يجيد الرثاء و يهوى الأنين

و صوت الأنين شديد الخفوت

فلن تسمعيه

و لن يسمعوه

Wednesday, December 23, 2009

أضاع القمر


و لو يعلمون بأن الغريب
سيبقى غريباً و إن عاد يوماً
ينادى الزهور فلا تستجيب
و يرقب فجراً عزيز البزوغ

يحن إليه .. و يخفى الحنين
و يبكى .. بكاءً شجى الأنين

فهل ترسو يوماً قطارات عمرٍ
قليل السنين بهى الصفات
و تبقى الحقيقة نوراً بقلبٍ
أسير الزمان عصى الثبات

سأذكر ليلى عند الرقاد
سأذكر ليلى و زهر البنفسج
سأذكر ليلى و ثوب الحداد
سلامٌ لليلى

سأذكر أمى .. و أيدٍ خفيفة
تداعب خدى ، فيضحك عمرى
و يرقص أمسى ، و يشرق يومى
بنورٍ حثيث
سلامٌ لأمى

سأذكر جدى بصحن الحسين
يزور حسيناً جدى و يبكى
و أبكى و أبكى .. بكاءً طويل
سلامٌ لجدى و قبر الحسين

سأذكر أنى بيومٍ رحلت
رحلت بيومٍ و عند الرحيل
تركت الغزال و بعت القمر
و رمت الغزال و ضوء القمر
فمر الزمان و ضاع الأمل

بصحن الحسين بكيت اغترابى
وداعاً لليلى
وداعاً لأمى
وداعاً لجدى
و يبقى بقلبى سؤالٌ أخير
أمات الغزال ،، أضاع القمر ؟؟

أجفف دمعى
و أمضى وحيداً بليلٍ بهيم
أسائل نفسى
أضاع القمر !!

Monday, December 14, 2009

أعطوه له



أعطوا لقيصر ما لقيصر
 إن أخذ ؟؟
أعطوا له ما ليس له
أعطوا له ما قد تبقى
 إن نفذ ؟؟
أعطوه لحم بطوننا
فلعل لحم عبيده 
يصير له
أحلى من العسل المصفى
أو يشبعه

Sunday, December 6, 2009

إنى أقر الآن .. إلى مصعب


السلام عليكم

الكلمات مهداة إلى أخى مصعب السعد ،،الشاب العراقى

الذى قتل غدراً على أيدى الخونة من قوات الحرس الوطنى ،،

و أشهد الله إنى ما علمته إلا شاباً طيباً مسالماً لم يكن شراً لأىٍ من البشر


إنى أقر الآن

 

كفكف دموعك يا عراق فإننا

لسنا نفيق ببعض دمعات تسال

أمسك دماءك يا عراق فإننا

يؤذينا أن تدمى بغير قتال

و اصبر قليلا يا عراق فإننا

يوماً سنأتي .. نهزم الأنذال

 

هذى مقالة جد جدي مذ هوت

أولى عواصم أرضنا المزدانة

و أنا أرددها لكل مدينة تهوى

أرددها غناءً أو عويلاً

 

يا نخل بغداد الذى بعناه

يا زعتر الشام الذى خّناه

يا تمر يثرب يشتكى لنواه

يا نيل مصر مدارياً لبكاه

يا جرح مصعب ساكبا لدماه

 

إنى أقر الآن أنى مذ أتى

جيش العدا

ما كنت بطلاً ملهماً

أو منجدا

إنى أقر الآن أنى مذ أتى

جيش العدا

ما كنت إلا شاعرا مسترسلا

أو مطربا

إنى أقر الآن أنى مذ أتى

جيش العدا

ما كنت إلا بالشهامة و المروءة

ملحدا

 

يا مصعب الخير الذى علمتنا

أن البطولة بالدماء تسجل

سلم على أشلاء أمتنا التى

رقدت جوارك من دماك تغسل

سلم عليها ، قل لها ،

إن الجنود جنود ضادك قد هووا

و الآن نظّام القصائد يصدحون

بقصيدة عصماء ترثى مجدنا

و قصيدة أخرى لتعلن بطشنا

و لعلها تبكي عيون غزالة

مرت بشاعرنا المؤيد بالهوى

 

فإلى اللقاء إلى الجنان أمصعب

ودّعت عالمنا البئيس المستكين

و رحلت للعلياء تقطف نجمة

و تعبق الدنيا بروح الياسمين


لينك مدونة تخليد ذكرى الشهيد مصعب عدنان السعد

http://mosabelsaad.blogspot.com/


Saturday, November 28, 2009

الصيادلة فى مصر لا يحضرون الدواء



سألنى يوماً ؛ هل استفدت من دراسة الصيدلة ؟؟
فأجبت ؛ نعم ، علمت أن بلادنا أصيبت بداءٍ عضال
زاده عليها كثرة الأطباء الذين يشخصونه
و أنها اليوم فى حاجة إلى صيدلىٍ يحضر له الدواء
فتهلل و قال فى بشر ؛ : أنت صيدلى
فأجبت ؛ يا صديقى ، الصيادلة فى مصر لا يحضرون الدواء
فقط يصرفونه

Friday, November 20, 2009

فلتحرق العلم يا أخى ... ما عاد للعلم فائدة


إليك يا من رفعت سلاحك فى وجهى

إليك يا أخى

ارفع السلاح ... و لا تنتظر منى شيئا

فقط سأبكى

ليس إشفاقاً على جسدى الذى ستعمل فيه سلاحك

و لكن إشفاقاً على قلبى ..

إشفاقاً على الزمان

الذى رأيتك فيه تهتف بسقوطى

 

ستنفجر رأسى ،، يا أخى

كيف أنسيها

ذلك اليوم الذى تغنينا فيه - أنت و أنا - بنشيدك ؟

تلك اللحظة التى اقشعر لها جسدى

التى خفق لها قلبى

حين رأيت رفرفة علمك

معلنةً للعالم حريتك و حريتى

 

لا يمكن أن أراك الآن شخصاً آخر

غير الذي قبّلت رأسه

يوم سقوطه شهيداً

فى معركة الحق

لا يمكن أن أنسى اسمك يا أخى

ذلك الاسم الذى كتبته بدمى على سلاحى

الذى ناولته لك

لا يمكن أن أنسى ابتسامتك

تلك التى أشرقت لها كل الشموس الأسطورية

حين انتصرنا سوياً على الزمان البائس

لا يمكن أن أنسى هتافنا

بأنّا قد عقدنا العزم أن تحيا الجزائر

و أشهدنا على ذلك العالم

 

رفقاً بى يا أخى

لا ترفق بى و أنت تطرحنى أرضاً ،

و تثأر من الزمان فى شخصى

إن كان هذا يريحك ... فافعل

و لكن فلترفق بالذاكرة ،

بالتاريخ ،

بالأحلام ،

بالعلم

لا أستطيع أن أكفر بأسمى ما آمنت به

فقد كان وجودك جزءاً منه

فليذهب كل شئ إلى الجحيم

سوى ذلك يا أخى

ناشدتك الله ألا تشوه زمانى و زمانك

ستفعل ذلك حين تشوه وجهى بخنجرك

 

مذ كنت صغيرا

كنت كلما أرفع العلم ...

يرتعش بدنى

و أرى وجهك الجميل يبتسم لى

ويكأنك تحيى العلم معى

كنت أسمع صوتك

صاعداً إلى أذنى من أعماق أعماقي

نردد سويا النشيد

مصر يا أم البلاد

أنت غايتى و المراد

 

الآن تريد أن تحرق العلم يا أخى ؟؟؟

الآن تريد أن تحرق أيامنا

الكفاح و النضال

فلتحرق العلم يا أخى

أأقاتلك على العلم

الذى ما عاد يعلّم شيئا

فلتحرقه يا أخى

و لتحرقنى معه

و لتحرق النيل و المحيط و البحر و الخليج

و لتحرق الليالى و الأيام الفائتة

و لتحرق مصاحفنا

و عهودنا

و لتحرق كل لسان نطق يوماً بأن عاش العرب

فلتحرقه إذن إن طاوعتك يدك

و لن أقاومك فى ذلك

لن اقاومك أبداً

فقد كان العلم يذكرنى بك

و ما عدت ترغب - أنت - فى ذلك

 

فلتحرق العلم يا أخى

ما عاد للعلم فائدة



هكذا فعل بنا المتعصبون من شعوبنا التى هزمت ثقافتها

فى ذلك الأربعاء الأسود 18/11/2009


Friday, November 13, 2009

وراء الغمام


وراء الغمام

سأبقيكِ نوراً يضئ الحشايا

إذا ساد بالقلب لون الظلام

سأبقيكِ فجراً و حلماً و نيلاً

زلالاً جميلاً و أغدو حسام

حساماً ينافح عنكِ الزمان

و يثأر من ليلكِ المستدام

و آتى إليكِ و قد خضبتني

دماء الكفاح و وجد الغرام

غرامى بحبكِ يا عمر قلبى

غرامٌ توارى وراء الغمام

و ما مات أبداً و لكن توارى

و يوماً سآتى أزيح الغيام

و أكشف للكون عن طهر حبك

و أحيى زماناً يرى فى المنام

و أغمض عينى بلا أى خوفٍ

و لقياكِ بالحلم أغلى مرام

Friday, October 30, 2009

سأظل أبكى


سأظل أبكيك بحاراً من دموع

سأظل أبكيك و أبكى ذا الزمان

لا أذرف الدمعات ماءً بل دماء

و الدم حرٌ شابه بعض الخنوع

يا من تنادى من بعيد

هلا أتيت لكي تنير لنا الطريق

ما عاد فى العمر الكثير

ما عاد للقلب احتمال

فالزهر يذوى .. لا بريق و لا رحيق

و النور يخفت سابحاً في اللاأثير

و السر أضحى ساكناً جزر المحال

يا من تنادى من بعيد

سلِّم على زمن النضال

سلِّم على الزمن الجميل

و لا تنادى ثانيا

سأظل أبكى راية التحرير

سأظل أبكى حلمنا الممنوع

سأظل أبكيك بحاراً من دموع

Thursday, October 22, 2009

السلفية .. البعد الفكرى و الانتشار الجماهيرى

 

1-     المدارس السلفية .. تعريف عام

2-     المدرسة الوهابية و المدارس الفكرية المقابلة

3-     النظريات التفسيرية للانتشار الجماهيري

4-     الترويج الإعلامي ضد السلفية

 

لقد عاشت بلادنا فى الفترة الأخيرة ، مرحلة مختلفة ، تميزت بتكاثر الأفكار و المرجعيات ، و انقسام الناس حول تبنى هذه الأفكار .

 و المدارس السلفية بمختلف اتجاهاتها و تياراتها قد شغلت حيزاً كبيراً في مجتمعاتنا العربية و الإسلامية ، و ذلك لم يكن مقصوراً على شريحة معينة أو طبقة بعينها ، بل كانت محل نقاش طويل فى العديد من المستويات الفكرية .

 و قد تم تناول هذا الأمر من قبل العديد ممن هم أعلم منى و أقدر على الحديث فى هذا المضمار ، إلا أننى وجدت أن هناك مشكلة حقيقية فى تفسير العديد من أسباب الانتشار الجماهيري الواسع لهذه الأفكار ،، و هو ما أحببت أن أتناوله - بشكل متواضع جدا - فى هذه التدوينة البسيطة ، عسى الله أن ينفع بها و يجعلها لنا لا علينا .

 

1-     المدارس السلفية .. تعريف عام

هناك كمٌ هائل من النقاشات و الحوارات التى أضعناها بسبب أزمة المصطلح ، فنترك الدلالة و نتجادل حول توافق المصطلح مع المعنى أو عدم توافقه ، فصرنا فى نقاشاتنا كالجندى الذى يقاتل على جبهتين ، جبهة الدال ( المصطلح ) و جبهة المدلول ( المعنى ) ، و هو ما أضاع منا الوقت و الجهد الكثير ، بالطبع لا أحد ينكر أهمية المصطلح و حتمية المناقشة حوله لما يحمله من الوقع النفسى و العقلى على المتلقى ،، و أنا لا أدعو إلى إهمال ذلك أبداً ، و لكن فقط ما أدعو إليه ؛ أن يكون لكل مقام مقال ، و أن نعلم إذا ما كنا نتناقش حول مصطلح أم حول دلالة ، حتى تؤتى نقاشاتنا ثمارها طيبةً .

لذلك فقد أحببت من البداية ، أن أعرِّف ما أقصده بالمدارس السلفية ، لا لأصك مصطلحاً علمياً ، و إنما فقط ليكون موضع الحديث منصب حول ما أقصد لا ما أصطلح ، المعنى لا القاموس .

و من ذلك ، فإن ما أقصده بالمدارس السلفية ؛ تلك المدارس الفكرية الإسلامية التى تبنت ما ورد عن السلف نصاً ، و أرادت أن تنقله للمجتمع الذى نعيشه ، مؤمنةً بأن هذا النمط المعيشي هو الأنسب و الأفضل ، و الذى أسفر عما حققه السلف الصالح من نهضة حقيقية لأمور دينهم و دنياهم ، لذلك و انطلاقاً من هذه الرؤية فقد رأت هذه المدارس أن ذلك لا يتحقق إلا بضرورة الوقوف على ظاهر النصوص الشرعية ، و ظاهر موقف السلف من هذه النصوص و تعاملهم معهم ، إذ أنهم ارتضوا باجتهادات السلف التى - على حد تعبيرهم - أحدثت الطفرة البشرية التى حققها سلفنا الصالح فى زمانهم ، و لا مانع من نقل تجربتهم نقلا حرفياً ، إذ أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان .

و قد تعددت المدارس السلفية و اختلفت ما بينها حول عدة أمور ، فمنهم من كان أكثر مرونة فى حرصه على نقل التجربة السلفية ، و منهم من حرص على نقلها كما هى بلا تعديل و لو مرحلي ، و تفرعت المدارس السلفية فى رؤيتها لتغيير المجتمع ، الذى اتفقوا جميعاً على أنه غير صالح ، فمنهم من رأى حتمية تغييره بالجهاد ، و منهم من رأى الدعوة السلمية كافية لذلك ، و منهم من رأى ضرورة الانعزال عن هذا المجتمع الفاسد لتكوين مجموعة صالحة تغير هذا المجتمع بعد ذلك .

لذلك ، فإننى شخصياً أرى أن المدارس السلفية لها رؤية فكرية معينة ، و من الخطأ التعامل معها على أنها مجرد  أفكار نشأت فى ظروف استثنائية ، اقتصادية أو اجتماعية ، و أنها لا تحمل أى منطق فكرى أو عقلى ، و هو ما سنشير له فيما بعد .

 

2-     المدرسة الوهابية و المدارس الفكرية المقابلة

من أشهر هذه الدعوات السلفية ؛ الدعوة الوهابية ، دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب ( 1703 1792 م ) ، و التى انتشرت فى شبه الجزيرة العربية فى منتصف القرن الثامن عشر ، داعيةً إلى إعادة النظر فى المفاهيم العقدية عند المسلمين ، و أهم هذه المفاهيم عقيدة التوحيد ، التى شابها الكثير من الأخطاء و الانحرافات فى رأى هذه الدعوة الوهابية ، فخرجت هذه المدرسة تدعو لنبذ البدع و العودة إلى المنهل الأصلى للدين - الصحابة و السلف الصالح - داعيةً للتمسك بالدين على المنهج الحنبلى ، رافضة و بشدة الآراء الدينية السائدة فى عصرها ، و المدارس الفكرية الإسلامية الأخرى كالصوفية و غيرها ، و هو ما دعاهم لتسمية أنفسهم بأهل السنة و الجماعة ، و إخراج العديد من المدارس الأخرى من هذه المظلة الواسعة الشاملة .

و من حسن حظ هذه الدعوة الوهابية ، أن الظروف السياسية هيئت لانتشارها تماماً ، خاصة بعد اتفاقهم مع آل سعود الذين حكموا جزيرة العرب بعد ذلك .

و تتميز المدرسة الوهابية ، كغيرها من المدارس السلفية الأخرى ، بالوقوف على ظواهر النصوص ، و رفض تأويلها أو تفسيرها لتناسب الواقع القائم ، و هو ما أدى لاهتمامها الشديد بالعوم الشرعية النصوصية كعلم الحديث و التفسير ، على حساب العلوم الشرعية الفقهية كعلم مقاصد الشريعة و أصول الفقه ، كما تتميز أيضاً هذه المدرسة برفضها للكثير من الآراء الخلافية ، بل و تميل لتقسيم الخلاف بين العلماء إلى خلاف سائغ ( أى صحيح ) ، و خلاف غير سائغ ( أى لا يؤخذ به ) ، و هذا النوع الثانى من الخلاف له الوزن النسبى الأكبر كثيراً إذا ما قورن بالخلاف السائغ .

و فى ذات الوقت الذى انتشرت فيه المدرسة الوهابية فى شبه الجزيرة ، كانت هناك حركات فكرية مقابلة تختلف مع رؤية المدرسة الوهابية و أتباعها ، و من أهم هذه الحركات الفكرية ، حركة الأزهر فى ذلك الوقت ، و الذى كان منقسماً إلى فريقين ، فريق دعا إلى ضرورة التمسك بالأصول و التراث لمواجهة الهجمات التغريبية التى تواجه الأمة فى ذلك الحين ، و فريق آخر رأى ضرورة التجديد و الإصلاح فى المنهج الفكرى و الدينى القائم ، و قد رأى الفريق الأخير أن ذلك هو الأنسب لمواجهة القوى التغريبية القادمة و الصمود أمامها ، و على كل حال ، فقد اختلف كلا الفريقين مع الرؤية الوهابية اختلافاً شديداً ، إذ أن التيارين كان منهجهما التعامل من خلال المناهج الفقهية و المقاصدية ، التى تبحث فى مقصد النص ، و تفقه الواقع لتخرج الحكم ، و هو ما يتناقض مع منهج المدارس السلفية بشكل عام من المنطلق ، و لكن الخلاف بين التيارين - الأزهريين - كان على توقيت الإصلاح و طبيعته و شكله و ظروفه و اختلاف تفسير و رؤية المجتمع .

و قد تعددت الرموز الإصلاحية الأزهرية فى ذلك الوقت ، بداية بالشيخ عمر مكرم مروراً برفاعة الطهطاوى لتتبلور هذه الأفكار بشدة عند الأفغانى و محمد عبده ، و تشكل بديلاً فكرياً إسلامياً حقيقياً للحركات السلفية و الوهابية فى مصر و العالم الإسلامى .

و هذه النقطة - كما أرى - فى غاية الأهمية ، حينما نود تفسير الانتشار الجماهيرى للتيار السلفى فى مصر .

 

3-     النظريات التفسيرية للانتشار الجماهيري

يجدر بنا أن نذكر أولاً ؛ أن مهمة المفكر التفسيرية الحقيقية ، تتجلى فى فهم الظواهر فهماً جيداً ، ثم تجريدها من التفاصيل ، للخروج بقاعدة تفسيرية ، و قد تواجه هذه المهمة إشكاليتان :

 الإشكالية الأولى ؛ فى عدم فهم الواقع فهماً صحيحاً ، مما يترتب عليه الخروج بقاعدة تجريدية غير دقيقة غير قادرة على تفسير ظواهر كثيرة .

 الإشكالية الثانية ؛ هى فى منطق التجريد الذى قد يكون به أخطاء .

 و نجد أن الإشكال الأول لا يؤدى بالضرورة إلى إسقاط المنهج التحليلى للمفكر ككل ، إذ أن المشكلة ستظهر فقط فى الظواهر الغير واضحة بشكل كامل له ،  بل  إن ذلك من الطبيعى و من الوارد حدوثه لكل المفكرين ، أما الإشكال الآخر فقد يسقط المنهج التحليلى لهذا المفكر بشكل كامل ، إذ أن التجريد هو أساس التفسير ، و التجريد له عدة متطلبات منها الحياد و الموضوعية و إسقاط المركزيات ، و غيرها من المتطلبات التى ليس هذا مجال الخوض فى مناقشتها .

اختلف الكثير من المفكرين و المحللين فى تفسير انتشار التيارات السلفية ، فى الشارع المصرى انتشاراً واسعاً بدأ مع منتصف السبعينيات من القرن الماضى و أتخذ اشكالاً عديدة ، و استمر حتى وقتنا هذا متخذاً الشكل الوهابى كنموذج سلفى أكثر رواجاً .

و قد أعزى كثير من المفكرين - المحترمين جداً - أسباب انتشار و رواج المدرسة السلفية الوهابية فى مصر فى الفترة الأخيرة إلى عوامل اقتصادية و سياسية و اجتماعية ، فانتشار هذا التيار فى رأيهم هو الوجه الآخر لانتشار الجريمة ، و يمكننا تفسيره كما نفسر انتشار الجريمة و ارتفاع معدلاتها ، فاتباع الفكر السلفى الوهابى أو اللجوء إلى الجريمة هما فى حقيقة الأمر - كما يرون - وسيلة للهروب من الأعباء الاقتصادية و الاجتماعية التى فاقم من تأثيرها توحش العولمة و زيادة التطلعات مع ارتفاع معدلات البطالة و قلة الأجور و تضخم الأسعار ، ذلك بالطبع فضلاً عن الظروف السياسية المذرية التى نعيشها من تخبط فى الرؤى و غياب للوجهة و كبت للحريات .

فالمشكلة - فى رأيهم - ليست ذات أساس فكرى البتة ، بل مجرد نتيجة حتمية سيتم القضاء عليها بالقضاء على أسبابها و وضع حلول جذرية لهذه المشكلات .

و فى رأيى المتواضع ؛ فإن هذه الأسباب السالف ذكرها ، مهمة جدا بالطبع ، و لكنى أرى أنها غير قادرة على تفسير عدة أمور ، وذلك ما أرجعه للإشكال الأول فى مهمة المفكر التفسيرية ، من هذه الأمور التى لم تفسرها هذه المشكلات فى رأيى ،  سبب انتشار و ذيوع هذا التيار الفكري السلفى ، بين أبناء الطبقات العليا أو المتوسطة و التى قد لا تواجه هذه المشكلات التى تواجهها الطبقات الأكثر فقراً ، و إن كانت النسبة أقل بطبيعة الحال ، كما أنها أيضاً لا تفسر وجود مفكرين سلفيين مؤمنين بالفكر السلفى و ينظِّرون له ، بعكس الجريمة التى لا تستند لمنهج مبرر و لا منظِّرين ، كما أنها أيضاً غير قادرة على تفسير انتشار السلفية فى الدول الأغنى من مصر ، كدول الخليج مثلاً .

ذلك بالاضافة إلى وجود عوامل أخرى أدت إلى انتشار هذا المنهج ، منها زيادة مساحة التكنولوجيا فى مجتمعنا ، و العواطف الإيمانية لدى الناس ، فبات من السهل جداً ، التأثير على العقول من خلال قناة بسيطة يدعى أنها تأخذ الناس إلى الجنة ، هذه العبارة فقط كفيلة بأن تجعل الناس يصدقون كل ما يقال ، فى ظل الأزمة الثقافية  التى تعيشها بلادنا و غياب المسار الحضارى السليم الذى رسمه مصلحونا قبل ذلك .

لذلك أرى ، أن ذيوع المنهج السلفى الوهابى له أصل فكرى ، كما أن المنهج نفسه له منطقية و وجاهة ، و إن كنت لا أتفق معها ، صحيح أن تلك العوامل الاقتصادية و الاجتماعية أدت إلى توسيع دائرة الانتشار ، إلا أن أصل المشكلة فكرى و يحتاج إلى منهج بديل ، كما يحتاج إلى إيجاد نموذج فكرى يتوافق مع عواطف الناس و مشاعرهم كما يعيد المسار الحضارى الذى رسمه المصلحون فى بلادنا منذ أكثر من قرنين من الزمان ، و ليس فقط حلاً للمشكلات التى تفاقم الأزمة .

 

4-     الترويج الإعلامي ضد السلفية

فى الفترة الأخيرة ، و كرد فعل طبيعى لذيوع و انتشار التيار السلفى بين شرائح المجتمع ، بدرجات تتفاوت بين السطحية و العمق فى اتباع هذا المنهج ، تولد تيار مضاد يدعو إلى رفض هذا المنهج تماماً ، و من الطبيعى أيضاً أن يتفاوت هذا الرد بين السطحية و العمق .

و هناك الكثيرون ، الذين اعتقدوا أن مواجهة التيار السلفى بشكل سطحى ، تضر أكثر مما تفيد ، بل إنها فى واقع الأمر حرب على الإسلام لا التيار السلفى ، و أنه من أراد أن يواجه التيار السلفى فإنه من الواجب عليه أن يقدم بديلاً حقيقياً .

شخصياً ، أختلف مع هذه الرؤية لعدة أسباب ، من أهمها أن تعلق الناس بالمشروع السلفى الوهابى - فى رأيى - لا يمت بصلة قريبة أو بعيدة إلى خدمة المشروع الحضارى الإسلامى ، فأنا أختلف مع الذين يقولون أن انتشاره خير من انتشار الأفكار الأخرى غير الإسلامية ، ذلك لأنه - كما أرى - فإن المنهج السلفى الوهابى هو منهج يدعو إلى الواحدية فى الرأى و عدم قبول الاختلاف و تحجيم العقل مما يفقده قدرته على تغيير الواقع ، كما لا يركز على الدولة و لا على الانتماء لها و الحرص على مشروعها الوطنى ، و هذه السمات أرى أنها جد خطيرة ، و أن انتشار المنهج الذى يتسم بها أسوأ من أى منهج آخر و لو كان غير إسلامى .

كما أن طرح الانتقادات الموجهة للفكر الوهابى بشكل عميق ، لا يتناسب مع العامة  ، سيدخلنا فى أزمة حقيقية ، إذ أن السلفية تطرح نفسها بسطحية و عمق فتجد ذيوعاً كبيراً حتى بين أبسط الناس ، و المطلوب أن يكون الرد عليها بتقديم بديل و بعمق و تحليل ، و هو ما يحد جداً من انتشار هذا الرفض للمنهج السلفى ، لذلك فأنا أرى أن تقديم البديل أمر فى غاية الأهمية ، خاصة و أننا نمتلك المسار الحضارى الصحيح النابع من ثقافتنا و تراثنا ، لكن فى نفس الوقت فإن تلك الدعاية المضادة البسيطة لهذا المشروع ، أرى أنها فى غاية الأهمية لتخرج من أذهان البسطاء تلك الصورة الوردية عن هذا المنهج الذى أراه يفت فى عضد أمتنا و بلادنا و تاريخنا و واقعنا ، ليخرج بنا عن المسار الحضارى السليم ، الذى اجتهد في رسمه أجدادنا ليقدموه لنا نموذجاً .

 

فى نهاية الأمر ؛ أخلص إلى أن رفضنا للمشروع السلفى الوهابى الغريب على مجتمعنا و تاريخنا ، لا يعنى أبداً قبولنا للدعوات التغريبية ، بل على العكس تماماً ، فأنا أؤمن بما اعتقده مصلحو أمتنا مع بدايات القرن التاسع عشر ، فى أن المسلك الحقيقى لمواجهة الحملات التغريبية الوافدة علينا ، بل و الذى يجعلنا أكثر ثقة فى أنفسنا و مقاومتنا ، هو الدعوة إلى تجديد أنفسنا بأيدينا ، خاصةً و أن تاريخنا ملئ و زاخر بالمشروعات الإنسانية التى أضاءت للإنسان طريقه قروناً من الزمان .

هذا و بالله التوفيق

Friday, October 16, 2009

حينما أهلوس


حينما أهلوس

متى تجئ يا وقت الغروب !

أشتاق حقاً للغروب

أشتاق للوقت الذى أرتاح فيه ..

لا تتعجلوا ،،،

لست أرتاح فى وقت الغروب

لكن ؛؛

أتوق لأن أرى الشمس الجريحة بين أنياب الغمام

أتلمس النسمات تقبل فى هدوء

و أعد نجمات الليالى الحالمة

و شعاع بدرٍ بارقٌ وسط الظلام

أما عن الوقت الذى أرتاح فيه ..

فذاك أمرٌ لا يرام

لا أظنه يأتى قريبا

نعم ،،

أعلم أنكم ستقولون ؛ ما هذا المخبول ؟؟

لستم مخطئين ...

قد قلتها قبلكم

لكنه قدرى ،

قدرى و قدركم

أستكتب الكلمات من قلب العدم

و أنتم تقرؤون

بالمناسبة ؛

الشروق أيضا جميل

لكنه لحظى

يأتينا دوماً بالألم

يأتى بشمسٍ بائسة .. تستل دوماً سيفها

فى وجهنا

يأتى ليذبح النسمات فى حلقومنا

و يبعثر النجمات حتى تنطفئ

أما الغروب ..

فذو جمال مستدام

يأتينا دوما بالظلام

و ظلامه يحوى بحار المستحيل

يحوى أخاديد العسل

يحوى أساطير البطولة كلها

ما أروع الأحلام

ليست كلها رائعة ،،

معكم حق ..

لكنه أفضل من النهار على أى حال

أما أنا ..

فلا أظن أننى أرتاح ليلاً أو نهار

خلقت فى كبد

أستعذب كبدى ، أحياناً

لكنى فى النهاية ،،

حزين

كثيراً ، ما أسألنى

ما سر ذلك الحزن الدفين ؟؟!!

لكننى أجد نفسى كالطالب الذى يتعلل بتعقيد الإجابة

و لا يعترف بوعورة السؤال

ألم أقل لكم أننى مخبول

أجل ...

مخبولٌ يشتاق لوقت الغروب

و يشتاق للوقت الذى يرتاح فيه

Monday, September 28, 2009

خمس سنين لا تكفى



أغمضت العين .. من النصب
قد كان اليوم طويلاً جدا
لا أذكر أين مضيت ... ساعة أغلقت السيارة
لكن ...
أذكر نظراتٍ من لهبٍ .. دغدغت القلب
أذكر أزهاراً تتراقصُ .. فى ساح القلب
أذكر موسيقى تتسرب .. من جوف الأذنِ لعمق القلب
لا يمكن أبداً أن أنسى خفقات القلب
مر سريعاً ذاك الحلم

اليوم الأول
أبصرت عيوناً تتوارى خلف الأستار
لم يكن الستر قماشياً ...... بل من أنوار
ما احتملت عينى أن تبصر ،،
لكنى أدركت بقلبي ،،
سحر الإبصار
و جلست أناجى عصفوراً
حتى مرت ساعات الليل

العام التالي
كانت تسقى شجرة رمان
يخفق قلبى ، يختلط الحاضر بالماضى
و أسائل نفسى .... هل يمكن ؟؟!
يخبرنى عقلى ؛ لا يمكن
فيرد القلب بلا خوف ، بل لا يمكن أن أخطئ حق الإبصار
يا سيدتى ..
تلتفت إلى ؛ فتتسمر كل الأشياء
و أرى نفسى أسطورياً ،، من عمق الماضى قد جاء
و هرقل الحاكم ناداني .. كيما أنقذ شجر الرمان
لكنى رحلت ....

و تمر الأعوام سريعاً .. خمسة أعوام
عصفورى الحالم قد مات
القلب النابض لا يخفق
شجر الرمان قد انكسر
و اليوم طويلا قد فات
قد فات طويلاً و كئيباً
لا أذكر إلا السيارة
و زمان الوجد
يا سيدتي
خمس سنين لا تكفينا

Saturday, September 26, 2009

الانطلاقات الحركية و إشكالياتها


الانطلاقات الحركية و إشكالياتها

 

1-  مفهوم الانطلاق الحركى .

2- العقائد ( المرجعيات العليا ) .

3- الايديولوجيا .

4- الاستراتيجية الحركية ( منهج العمل ) .

 لقد شهدت بلادنا منذ بدايات القرن الماضى بزوغ الكثير من الحركات ، سواءاً كانت هذه الحركات متمحورة حول قضايا التحرر الوطنى ، أو حول قضايا سياسية ، أو فكرية ، أو دعوية ، أو قضايا الإصلاح العام فى المجتمع . 

و قد حاولت فى هذه التدوينة البسيطة ؛ أن اتعرض سريعاً لأهم أشكال الانطلاقات الحركية ، و الإشكاليات التى تواجه هذه الانطلاقات ، ذلك أننا - اليوم - فى بلادنا - نحتاج إلى حركات تنويرية واعية ، تعمل فى كافة المجالات ، مستفيدةً من التاريخ الحركى الذى سبقها ، قادرةً على تلافى السلبيات و الأخطاء التى وقعت فيما مضى .

و أرجو أن تعذرونى على الإطالة الشديدة ، فقد حاولت التلخيص الإيجاز قدر استطاعتى ، و فكرت بتجزئة التدوينة ، و لكن نظراً لترابط الموضوع لم يمكننى فعل ذلك .

و أسأل الله العظيم ؛ أن يوفقنى - على الأقل - فى طرق هذا الباب البالغ الأهمية و لفت الأنظار إليه .

1- مفهوم الانطلاق الحركى :

ما أقصده بالانطلاق الحركى ؛ المنظومة التى تعتمدها الحركة - أياً كان تخصصها - فى نشاطها العام مع المجتمع و الأطراف الأخرى التى تحتك بها ، و هذه المنظومة تتشكل من ثلاثة أركان أساسية هى المنطلقات ، الوسائل ، الغايات و الأهداف .

·   المنطلقات : و هى النقاط الابتدائية - أو كما نسميها الثوابت - التى تضعها الحركة لنفسها ، و تحدد على أساسها الأهداف التى تريد الوصول إليها انطلاقاً من هذه الثوابت ، و الوسائل التى ستمكنها من الوصول إلى هذه الأهداف .

·  

     الوسائل : هى كافة السبل و الطرق الممكنة التى تسلكها الحركة فى إطار ثوابتها و ضوابطها للوصول إلى أهدافها و غاياتها .


·   الأهداف : و هنا أقصد الأهداف المرحلية لكل مرحلة من مراحل العمل ، طبقاً لخطة هذه المنظمة أو الحركة ، كما أقصد أيضاً الغايات النهائية ، و التى تحقيقها يعنى نجاح الحركة الكامل ، و فى بعض الأحيان يعنى عدم ضرورية وجود الحركة أصلاً .


2- العقيدة ، و الانطلاق العقدى :

 إذا أردنا أن نكشف فى المعجم عن الأصل اللغوى لكلمة عقيدة ، سنجدها فى مادة ( ع - ق - د ) ؛ باب العين فصل القاف مع الدال .

و من ذلك يمكننا أن نعرف العقيدة لغةً ؛ بأنها الشئ الذى يعقد عليه ، و العقد هو أعلى درجات الرباط .

و تحتاج العقيدة لتتكون بهذا الشكل ثلاث مراحل :

أ‌-  مرحلة عقلية : هنا تحدث قناعة عقلية تامة بمبادئ و أصول هذه العقيدة .

ب‌  مرحلة إيمانية قلبية : هنا تتمثل هذه القناعة فى عاطفة إيمانية صادقة .

ت‌- مرحلة سلوكية : هى نتيجة طبيعية لهذه لعاطفة الحقيقية ، و هنا نجد أن الإيمان بهذه العقيدة متمثل فى تصرفات الإنسان و سلوكياته .


للعقيدة خصيصيتان فى منتهى الأهمية :

1-  قد تكون العقيدة عبارة عن فكرة بسيطة ، أو عدة أفكار مركبة ، فتركيبية الأفكار ليست شرطاً من شروط العقائد .

2-   العقائد لا تخضع - مطلقاً - للتغيرات المجتمعية الزمانية أو المكانية ، و على ذلك فإنه يمكننا أن نقول أن العقيدة تتجاوز الزمانية و المكانية .

و هاتان الخصيصيتان هما من أهم مايميز العقيدة عن الايديولوجيا ، و سنتعرض لذلك بالتفصيل فيما بعد .


كما أن العقائد لها معايير كمية ، فهناك من يعتقد فى شئ بنسبة 30 بالمائة ، و هناك من يعتقد فى نفس الشئ بنسبة 90 بالمائة ، و من هنا نستطيع تفسير قول رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) لصحابته ؛ ما سبقكم أبو بكر بكثير صلاة أو صيام ، و إنما سبقكم بشئ وقر فى قلبه ، مع أن الصحابة كانوا مؤمنين ، إذن فهناك معنى آخر – توحيه إلينا كلمة سبقكم – ذلك المعنى فى رأيى هو المعيار الكمى .


و للعقائد أمثلة كثيرة نذكر منها :

1-  الاعتقاد فى وحدانية الله :  يقول الله تعالى ” ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق و لعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ”  صدق الله العظيم .

2-  الاعتقاد فى المبدأ الحلولى الكمونى ؛ و الذى يبين لنا أن الإله قد حل تماماً فى الكون ، وبذلك فإن المرجعية النهائية - التى كان الإله مركزها - أصبحت كامنة فى هذا الكون حالةً فيه ؛ و من هذه العقيدة تولدت العديد من الايديولوجيات و الفلسفات الغربية ؛ خاصة فيما عرف بعصر التنوير بأوروبا .

3-  الاعتقاد فى أن الإله قد حل فى إرادة الشعب : و هو ما أسس للفكر الماركسى و الثورى بشكل عام .

4-  الإعتقاد فى أن المسيح هو ابن الله .

و غير ذلك الكثير و الكثير من العقائد التى مر بها التاريخ البشرى .

الانطلاق الحركى من العقائد فحسب ، بمعنى الانطلاق المباشر من العقيدة قبل صياغة الايديولوجيا ، أو تحديد الاستراتيجية ، يؤدى ذلك إلى ظهور حركات تتميز بقدر عالٍ من الحماس ، و لكنها تفتقر إلى النضج الفكرى و الحركى .

تعرف هذه المرحلة ؛ بمرحلة الصحوة .

يمكن التمثيل على ذلك ؛ بالحركات الإسلامية فى السبعينيات و الثمانينيات فى مصر .

3- الايديولوجيا :

يمكننا أن نعرف الايديولوجيا ؛ بأنها مجموعة من الأفكار التى تتعاقد و تتشابك لتنتج ما يعرف " بالمنهج الفكرى المرجعى " ، الصالح لمرحلة زمنية معينة ، بمكان و واقع معين .

و المنهج الايديولوجى ؛ هو منهج تطرح فيه الإشكاليات الفكرية المثارة ، كما تطرح الرؤى و الحلول التى تتبناها الحركة و المنظمة .

كيف تصاغ الايديولوجيا ؟

1-   بدايةً ؛ تحتاج الايديولوجيا إلى عقيدة واضحة ترتكز عليها ( و هى التى تحدد الثوابت ) .

2-   بالإضافة إلى الأفكار النظرية التى تعتمد على طبيعة المكان و الزمان ( الرؤى الحالية ) .

3-  و تحتاج لصياغتها إلى وجود منظرين فاعلين ، يعملون على الربط بين المبادئ العقدية " الثوابت " و الأفكار النظرية " الرؤى " .


انتشار المنهج الايديولوجى : يعتمد المنهج الايديولوجى فى انتشاره فى المجتمع على عدة عوامل من أهمها :

1-  العقيدة التى يستقى منها ذلك المنهج ، و تواجدها فى المجتمع بمعياريها الكيفى و الكمى ، فالمجتمعات الإسلامية أكثر تقبلاً للايديولوجيات المستقاة من عقائد إسلامية ( المعيار الكيفى ) ، و المجتمعات الأكثر تمسكاً بالإسلام و مبادئه ستصبح أكثر قابلية لانتشار الايديولوجيات الاسلامية وسطها عن المجتمعات الأقل تمسكاً بالإسلام ( المعيار الكمى ) .

2-  ملائمة الأفكار النظرية الموضوعة ( الرؤى ) للواقع و إشكالياته .

3-  فعالية منظرى ذلك المنهج الايديولوجى فى صياغته ، و توصيله للشرائح المختلفة فى المجتمع .

كما نذكر ؛ أنه من أهم خصائص المنهج الايديولوجى الواضح و الواقعى ؛ أنه يضمن إلى حد كبير الوحدة الفكرية بين أبناء الحركة أو المؤسسة المتبنية لهذا المنهج ، و ذلك دون الوقوع فى إشكالية القولبة ، ذلك أن المنهج الواضح يمكننا من تحديد الأطر جيداً ، و التمييز بين الثوابت و الرؤى الحالية ( الزمانية و المكانية ) .

الانطلاق الحركى المباشر من الايديولوجيا ( دون تحديد استراتيجيات حركية واضحة ) يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى عام ، و لكنها تفتقر إلى النضج و الوعى الحركى

و ذلك ما يؤدى - فى الغالب - إلى ظهور نتائج أقل من المتوقعة ، و هو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى انخفاض مستوى الحماس العام بين أفراد الحركة أو المؤسسة .

4- الاستراتيجية الحركية " آليات العمل " :

يمكن أن نعرف الاستراتيجة ؛ بأنها مجموعة من الخطوات المتتالية ، المخطط لها مسبقاً من قبل حركة أو منظمة .

أما الحركية : فهى تتعلق بنوعية التخصص و المجال الذى تعمل به الحركة أو المنظمة ، فإذا كانت تعمل مثلاً فى المجال السياسى ، نستطيع أن نتحدث عن الاستراتيجية السياسية .

تعتمد الاستراتيجية الحركية على :

1-  المنهج الايديولوجى الذى تتبناه المنظمة أو الحركة ؛ بثوابته العقدية الفلسفية و رؤاه الحالية ( الزمانية و المكانية ) .

2-  القاعدة الجماهيرية لهذه المنظمة .

3-  موازين القوى على صعيد العمل النوعى التخصصى الذى تعمل المنظمة من خلاله .

4-  المناورات و التكتيكات الحركية ، و ضوابطها النوعية و الكمية ، طبقاً لايدولوجية المنظمة .

الانطلاق الحركى من الاستراتيجية الحركية المرتكزة إلى ايديولوجيا حقيقية يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى و حركى .

و هو ما يؤدى فى الغالب إلى ظهور نتائج إيجابية ، و بالتالى فإن هذه المرحلة تتميز بجماس عالٍ نظراً لإيجابية النتائج .


مثال : حزب العدالة و التنمية التركى ؛ نجد أنه يتميز بعقيدة راسخة ، و ايديولوجيا واقعية ، كما أنه يمتلك استراتيجية حركية متميزة .


                         مقارنة تجميعية بين الأشكال المختلفة للانطلاقات الحركية 

وجه المقارنة

الانطلاق العقدى

الانطلاق الايديولوجى

الانطلاق الاستراتيجى

درجة الوعى

منخفض

مرتفع

مرتفع

درجة الحماس

مرتفع

منخفض

مرتفع