Saturday, September 26, 2009

الانطلاقات الحركية و إشكالياتها


الانطلاقات الحركية و إشكالياتها

 

1-  مفهوم الانطلاق الحركى .

2- العقائد ( المرجعيات العليا ) .

3- الايديولوجيا .

4- الاستراتيجية الحركية ( منهج العمل ) .

 لقد شهدت بلادنا منذ بدايات القرن الماضى بزوغ الكثير من الحركات ، سواءاً كانت هذه الحركات متمحورة حول قضايا التحرر الوطنى ، أو حول قضايا سياسية ، أو فكرية ، أو دعوية ، أو قضايا الإصلاح العام فى المجتمع . 

و قد حاولت فى هذه التدوينة البسيطة ؛ أن اتعرض سريعاً لأهم أشكال الانطلاقات الحركية ، و الإشكاليات التى تواجه هذه الانطلاقات ، ذلك أننا - اليوم - فى بلادنا - نحتاج إلى حركات تنويرية واعية ، تعمل فى كافة المجالات ، مستفيدةً من التاريخ الحركى الذى سبقها ، قادرةً على تلافى السلبيات و الأخطاء التى وقعت فيما مضى .

و أرجو أن تعذرونى على الإطالة الشديدة ، فقد حاولت التلخيص الإيجاز قدر استطاعتى ، و فكرت بتجزئة التدوينة ، و لكن نظراً لترابط الموضوع لم يمكننى فعل ذلك .

و أسأل الله العظيم ؛ أن يوفقنى - على الأقل - فى طرق هذا الباب البالغ الأهمية و لفت الأنظار إليه .

1- مفهوم الانطلاق الحركى :

ما أقصده بالانطلاق الحركى ؛ المنظومة التى تعتمدها الحركة - أياً كان تخصصها - فى نشاطها العام مع المجتمع و الأطراف الأخرى التى تحتك بها ، و هذه المنظومة تتشكل من ثلاثة أركان أساسية هى المنطلقات ، الوسائل ، الغايات و الأهداف .

·   المنطلقات : و هى النقاط الابتدائية - أو كما نسميها الثوابت - التى تضعها الحركة لنفسها ، و تحدد على أساسها الأهداف التى تريد الوصول إليها انطلاقاً من هذه الثوابت ، و الوسائل التى ستمكنها من الوصول إلى هذه الأهداف .

·  

     الوسائل : هى كافة السبل و الطرق الممكنة التى تسلكها الحركة فى إطار ثوابتها و ضوابطها للوصول إلى أهدافها و غاياتها .


·   الأهداف : و هنا أقصد الأهداف المرحلية لكل مرحلة من مراحل العمل ، طبقاً لخطة هذه المنظمة أو الحركة ، كما أقصد أيضاً الغايات النهائية ، و التى تحقيقها يعنى نجاح الحركة الكامل ، و فى بعض الأحيان يعنى عدم ضرورية وجود الحركة أصلاً .


2- العقيدة ، و الانطلاق العقدى :

 إذا أردنا أن نكشف فى المعجم عن الأصل اللغوى لكلمة عقيدة ، سنجدها فى مادة ( ع - ق - د ) ؛ باب العين فصل القاف مع الدال .

و من ذلك يمكننا أن نعرف العقيدة لغةً ؛ بأنها الشئ الذى يعقد عليه ، و العقد هو أعلى درجات الرباط .

و تحتاج العقيدة لتتكون بهذا الشكل ثلاث مراحل :

أ‌-  مرحلة عقلية : هنا تحدث قناعة عقلية تامة بمبادئ و أصول هذه العقيدة .

ب‌  مرحلة إيمانية قلبية : هنا تتمثل هذه القناعة فى عاطفة إيمانية صادقة .

ت‌- مرحلة سلوكية : هى نتيجة طبيعية لهذه لعاطفة الحقيقية ، و هنا نجد أن الإيمان بهذه العقيدة متمثل فى تصرفات الإنسان و سلوكياته .


للعقيدة خصيصيتان فى منتهى الأهمية :

1-  قد تكون العقيدة عبارة عن فكرة بسيطة ، أو عدة أفكار مركبة ، فتركيبية الأفكار ليست شرطاً من شروط العقائد .

2-   العقائد لا تخضع - مطلقاً - للتغيرات المجتمعية الزمانية أو المكانية ، و على ذلك فإنه يمكننا أن نقول أن العقيدة تتجاوز الزمانية و المكانية .

و هاتان الخصيصيتان هما من أهم مايميز العقيدة عن الايديولوجيا ، و سنتعرض لذلك بالتفصيل فيما بعد .


كما أن العقائد لها معايير كمية ، فهناك من يعتقد فى شئ بنسبة 30 بالمائة ، و هناك من يعتقد فى نفس الشئ بنسبة 90 بالمائة ، و من هنا نستطيع تفسير قول رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) لصحابته ؛ ما سبقكم أبو بكر بكثير صلاة أو صيام ، و إنما سبقكم بشئ وقر فى قلبه ، مع أن الصحابة كانوا مؤمنين ، إذن فهناك معنى آخر – توحيه إلينا كلمة سبقكم – ذلك المعنى فى رأيى هو المعيار الكمى .


و للعقائد أمثلة كثيرة نذكر منها :

1-  الاعتقاد فى وحدانية الله :  يقول الله تعالى ” ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق و لعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ”  صدق الله العظيم .

2-  الاعتقاد فى المبدأ الحلولى الكمونى ؛ و الذى يبين لنا أن الإله قد حل تماماً فى الكون ، وبذلك فإن المرجعية النهائية - التى كان الإله مركزها - أصبحت كامنة فى هذا الكون حالةً فيه ؛ و من هذه العقيدة تولدت العديد من الايديولوجيات و الفلسفات الغربية ؛ خاصة فيما عرف بعصر التنوير بأوروبا .

3-  الاعتقاد فى أن الإله قد حل فى إرادة الشعب : و هو ما أسس للفكر الماركسى و الثورى بشكل عام .

4-  الإعتقاد فى أن المسيح هو ابن الله .

و غير ذلك الكثير و الكثير من العقائد التى مر بها التاريخ البشرى .

الانطلاق الحركى من العقائد فحسب ، بمعنى الانطلاق المباشر من العقيدة قبل صياغة الايديولوجيا ، أو تحديد الاستراتيجية ، يؤدى ذلك إلى ظهور حركات تتميز بقدر عالٍ من الحماس ، و لكنها تفتقر إلى النضج الفكرى و الحركى .

تعرف هذه المرحلة ؛ بمرحلة الصحوة .

يمكن التمثيل على ذلك ؛ بالحركات الإسلامية فى السبعينيات و الثمانينيات فى مصر .

3- الايديولوجيا :

يمكننا أن نعرف الايديولوجيا ؛ بأنها مجموعة من الأفكار التى تتعاقد و تتشابك لتنتج ما يعرف " بالمنهج الفكرى المرجعى " ، الصالح لمرحلة زمنية معينة ، بمكان و واقع معين .

و المنهج الايديولوجى ؛ هو منهج تطرح فيه الإشكاليات الفكرية المثارة ، كما تطرح الرؤى و الحلول التى تتبناها الحركة و المنظمة .

كيف تصاغ الايديولوجيا ؟

1-   بدايةً ؛ تحتاج الايديولوجيا إلى عقيدة واضحة ترتكز عليها ( و هى التى تحدد الثوابت ) .

2-   بالإضافة إلى الأفكار النظرية التى تعتمد على طبيعة المكان و الزمان ( الرؤى الحالية ) .

3-  و تحتاج لصياغتها إلى وجود منظرين فاعلين ، يعملون على الربط بين المبادئ العقدية " الثوابت " و الأفكار النظرية " الرؤى " .


انتشار المنهج الايديولوجى : يعتمد المنهج الايديولوجى فى انتشاره فى المجتمع على عدة عوامل من أهمها :

1-  العقيدة التى يستقى منها ذلك المنهج ، و تواجدها فى المجتمع بمعياريها الكيفى و الكمى ، فالمجتمعات الإسلامية أكثر تقبلاً للايديولوجيات المستقاة من عقائد إسلامية ( المعيار الكيفى ) ، و المجتمعات الأكثر تمسكاً بالإسلام و مبادئه ستصبح أكثر قابلية لانتشار الايديولوجيات الاسلامية وسطها عن المجتمعات الأقل تمسكاً بالإسلام ( المعيار الكمى ) .

2-  ملائمة الأفكار النظرية الموضوعة ( الرؤى ) للواقع و إشكالياته .

3-  فعالية منظرى ذلك المنهج الايديولوجى فى صياغته ، و توصيله للشرائح المختلفة فى المجتمع .

كما نذكر ؛ أنه من أهم خصائص المنهج الايديولوجى الواضح و الواقعى ؛ أنه يضمن إلى حد كبير الوحدة الفكرية بين أبناء الحركة أو المؤسسة المتبنية لهذا المنهج ، و ذلك دون الوقوع فى إشكالية القولبة ، ذلك أن المنهج الواضح يمكننا من تحديد الأطر جيداً ، و التمييز بين الثوابت و الرؤى الحالية ( الزمانية و المكانية ) .

الانطلاق الحركى المباشر من الايديولوجيا ( دون تحديد استراتيجيات حركية واضحة ) يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى عام ، و لكنها تفتقر إلى النضج و الوعى الحركى

و ذلك ما يؤدى - فى الغالب - إلى ظهور نتائج أقل من المتوقعة ، و هو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى انخفاض مستوى الحماس العام بين أفراد الحركة أو المؤسسة .

4- الاستراتيجية الحركية " آليات العمل " :

يمكن أن نعرف الاستراتيجة ؛ بأنها مجموعة من الخطوات المتتالية ، المخطط لها مسبقاً من قبل حركة أو منظمة .

أما الحركية : فهى تتعلق بنوعية التخصص و المجال الذى تعمل به الحركة أو المنظمة ، فإذا كانت تعمل مثلاً فى المجال السياسى ، نستطيع أن نتحدث عن الاستراتيجية السياسية .

تعتمد الاستراتيجية الحركية على :

1-  المنهج الايديولوجى الذى تتبناه المنظمة أو الحركة ؛ بثوابته العقدية الفلسفية و رؤاه الحالية ( الزمانية و المكانية ) .

2-  القاعدة الجماهيرية لهذه المنظمة .

3-  موازين القوى على صعيد العمل النوعى التخصصى الذى تعمل المنظمة من خلاله .

4-  المناورات و التكتيكات الحركية ، و ضوابطها النوعية و الكمية ، طبقاً لايدولوجية المنظمة .

الانطلاق الحركى من الاستراتيجية الحركية المرتكزة إلى ايديولوجيا حقيقية يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى و حركى .

و هو ما يؤدى فى الغالب إلى ظهور نتائج إيجابية ، و بالتالى فإن هذه المرحلة تتميز بجماس عالٍ نظراً لإيجابية النتائج .


مثال : حزب العدالة و التنمية التركى ؛ نجد أنه يتميز بعقيدة راسخة ، و ايديولوجيا واقعية ، كما أنه يمتلك استراتيجية حركية متميزة .


                         مقارنة تجميعية بين الأشكال المختلفة للانطلاقات الحركية 

وجه المقارنة

الانطلاق العقدى

الانطلاق الايديولوجى

الانطلاق الاستراتيجى

درجة الوعى

منخفض

مرتفع

مرتفع

درجة الحماس

مرتفع

منخفض

مرتفع



 

7 comments:

  1. رائع جدا فعلا :)
    ومش طويلة على فكرة :)
    ..
    تعقيبي الوحيد هو في تداخل المحددات والعوامل التي حددتها مع بعضها البعض ،فمنظومة الانطلاق الحركي من منطلقات ووسائل وأهداف
    فالمنطلقات تحوي في ضمنها الجزء العقدي بجزء كبير جدا وهو الذي يحددها
    والوسائل من الممكن
    أن تحتوي على الاستراتيجية الحركية
    فكان يمكنك أن تتخلى عن التنظير للانطلاق الحركي بل تجعل منه الشئ المركب الذي يحتاج لتحليل ،وتحلله إلى الثلاث عوامل الأخرى (العقدية _الايدلوجية_الاستراتيجية الحركية )

    ..

    ReplyDelete
  2. ملحوظة أخرى :)
    تنظيرة وتحليلك للانطلاقات الحركية جيد جدا ومفيد
    لكن أين هي الاشكاليات التي ناقشتها
    ..

    ReplyDelete
  3. السلام عليكم

    بلال باشا ،، أسعد دوماً بمرورك الكريم

    ايوة فعلا اتفق معك أن مفهوم الانطلاق الحركى - كما ذكرته -يحوى الجوانب العقدية و الايديولوجية و الاستراتيجية

    و ذلك أننى أعتقد ؛ أن الانطلاق الحركى منظومة متكاملة تحوى كل ذلك بنسب متفاوتة ،، و الخلل يأتى عندما لا تراعى هذه النسبية بين الجوانب الثلاثة

    و بالمناسبة هى دى الاشكاليات ؛ الخلل الناتج عن عدم مراعاة نسبية الجوانب العقدية إلى الايديولوجية إلى الاستراتيجية

    :)

    ReplyDelete
  4. مش طويل اوى على فكره يا دكتور

    هو فى نقطتين احب أتكلم عنهم

    نقطه عدم الوقوع فى القولبه

    مشكله القولبه مشكله كبيره جدا

    حلها الوحيد فى وجهه نظرى هى أن الأفراد تحرر عقوله شئ يسير
    لكنك جميل جدا انك أشرت آليها

    أصلى لدى سجال طويل بين وبين القولبه وبعض العقول التى ترفض كل ما هو جديد اما خوف من اقتحام التجارب او الوقوع فى اشكاليه القولبه

    النقطه الثانيه

    ممكن توضع المقارنه لأنى مش مستوعباه أوى

    ثالثا
    تحقيق التوازن بين الانطلاق العقائدى والايدلوجى والاستراتيجى

    هو ما جاء تحت مظله الاسلام بشموله
    لكنه يحتاج توازن
    أنتظر بوست يكمل لنا علامات الاستفهام عن هذا التوازن

    دمت صاحب قلم حر

    بس ربنا يكرمك يافندم كبر الخط شويه

    ReplyDelete
  5. السلام عليكم

    مرحباً بك أختى عاشقة الاقصى فى مدونتى البسيطة

    ايوة فعلا زى ما قلتى مشكلة القولبة مشكلة كبيرة جدا

    و للأسف بتحصل بشكل غير واعى ، يعنى من غير ما نشعر

    لأنها نتيجة منهج فكرى و تربية معينة

    عموما ، أنا حبيت اقول ان تأطير الحركة بايديولوجيا واضحة و صريحة ، تضمن الوحدة الفكرية للحركة او الجماعة ، ده ليس له علاقة بالقولبة ، لأن الايديولوجيات بيكون فيها مساحة خلاف ، لكننا نفرق بين الثوابت الفكرية للحركة و بين الافكار الايديولوجية المرحلية الموضوعة، و ذلك هو ما يميز الخلاف داخل الاطار الفكرى عن الانفصال الكامل

    بالنسبة للمقارنة

    ببساطة ، أنا كنت عايز اقول ان الانطلاق الحركى المنبنى إلى عقيدة ، و حسب ، بدون ايديولوجيا تعطى الاطار الفكرى المرجعى المرحلى للحركة ، و بدون استراتيجية حركية تتانسب مع الواقع و مع الثوابت الفكرية للحركة ،،، يؤدى إلى ظهور حركات متحمسة ،، و لكنها تفتقر للنضح الفكرى و الحركى

    لأن ببساطة مصدر الحماس هو العقيدة ،،، و مصدر النضج الفكرى هو الايديولوجيا و مصدر النضج الحركى هو الاستراتيجية

    و النضج الحركى الاستراتيجى يؤدى إلى نتائج عملية ممتازة مما يزيد الحماس و يشعل الهمم

    لذلك فإن العمل انطلاقا من الايدولوجيا مباشرة ، بدون استراتيجيات واقعية عملية ، يؤدى إلى ضعف النتائج و هو مايؤدى إلى قلة الحماس ، و إن وجد النضج الفكرى

    أما الانطلاق الحركى من استراتيجيات عمل حقيقية ترتكز إلى ايديولوجيا مستندة إلى اعتقاد قوى ،،، يؤدى إلى زيادة النضج الفكرى و الحركى أيضاً مما يأتى بنتائج ممتازة تزيد الحماس

    اتمنى حضرتك تكونى فهمتى قصدى من المقارنة ،، و أكون كمان وضحت لك رأيى فى مسألة التوازن

    بالنسبة للخط ،، إن شاء الله هكبره :))

    أكرر امتنانى و سعادتى بمرورك أختى الكريمة :)

    ReplyDelete
  6. الله ينور يا دكتور صحيح مش كل حاجة فهمتها بس الله ينور

    ReplyDelete
  7. يااااااااااااه أبو نعيم ،،، ليك وحشة يا راجل ،،، محدش بيشوفك خاااااااالص
    :)

    ReplyDelete