Wednesday, September 9, 2009

بين التمدد الحضارى و نظرية المؤامرة

السلام عليكم و رحمة الله
أصدقائى الأعزاء ،،
هناك الكثير من القناعات و الأفكارالتى تستحق أن نعيد النظر بها
واحدة من هذه القناعات رؤيتنا لنظرية المؤامرة ،، و مفهومها عندنا
أتمنى أن تكون تدوينتى البسيطة معيناً على فتح الموضوع ،، و إعادة النظر به مرة أخرى
لن أطيل عليكم و اترككم مع التدوينة ،،،،،، أتمنى أن تحوز رضاكم


بين التمدد الحضارى و نظرية المؤامرة


1- نظرية المؤامرة كنموذج تفسيري .
2- دوافع تبنى النظرية .
3- القدرة التفسيرية لنظرية المؤامرة .
4- إشكاليات الإيمان بمطلقية النظرية .
5- فكرة التمدد الحضاري واختلافها عن نظرية المؤامرة .


1- نظرية المؤامرة كنموذج تفسيري

تطرح نظرية المؤامرة كثيراً فى مجتمعاتنا العربية و الإسلامية - خاصة من أبناء التيارات القومية و الإسلامية - كنموذج تفسيري يفسر حالة الشرود الحضارى التى أصيبت بها أمتنا العريبة و الإسلامية فى القرون الأخيرة .
النظرية ببساطة ؛ تحاول تفسير الحالة العدائية المقصودة ضد الأمة من قبل العديد من الأطراف ، و التى أخذت أشكالاً مختلفة بدءاً بالعداء المقنع الذى قد لا يتضح إلا بمرور زمن طويل من خلال رصد الأحداث التاريخية و تحليلها ؛ وصولاً إلى العداء المباشر و الذى قد يأخذ شكلاً عسكرياً ، مروراً بالأشكال العدائية المختلفة و التى قد تتمثل فى التحالفات و التلاعب بموازين القوى ، أو الحروب الاقتصادية ، أو عمليات الغزو الفكري و الثقافي، و غيرها من الأشكال المختلفة التى تساهم فى تكريس هذه الحالة .
و مما زاد من قدرة هذه النظرية على التفسير ؛ الدرجة التى وصلت إليها دولنا العربية و الإسلامية من التراجع الفكري و الحضاري ، و أيضاً المصادفات التاريخية التى وضعتنا – تقريبا – فى حالة عداء مع كل الأطراف المغايرة .
الأمر الذى أظهر هذه الأطراف كلها و كأنها متفقة على مناصبة أمتنا العداء ، بغض النظر عن أى مشروع فكرى أو ثقافى تطرحه هذه الأطراف .
فانطلاقاً من نظرية المؤامرة ؛ نستطيع أن نفسر كل المشاريع الفكرية الإنسانية التى تبنتها الأطراف المغايرة ، بأنها مشاريع إنما وضعت لتبرير الظلم الواقع علينا من قبل هذه الأطراف .
و قد بالغ البعض فى اعتبار هذه النظرية النموذج الأمثل لتفسير كل ما أصابنا من شر ، بغض النظر عن أى عوامل داخلية أو حضارية استلزمت ما حدث لنا ، فمن وجهة نظرهم أن هذه العوامل الداخلية هى أيضاً كانت بفعل الأطراف الخارجية الشريرة المتآمرة على أمتنا النبيلة البريئة الطاهرة .

2- دوافع تبنى النظرية

كما أشرنا ؛ فإن هذه النظرية تعد من أكثر النظريات رواجاً لتفسير ما أصاب دولنا العربية و الإسلامية - على وجه الخصوص من قبل أبناء الاتجاهات الفكرية القومية و الإسلامية - و ذلك له العديد من الأسباب من أهمها :
1- حالة الركود التى أصابت أمتنا ، و التى - بلا شك - لها العديد من الأسباب الخارجية ، و الدلائل المبينة على ذلك .
2- ظهور العديد من المرجعيات الفكرية و الفلسفية المغايرة فى القرون الأخيرة ، خاصة فيما يعرف بمرحلة التنوير بأوروبا و العالم الغربي ( الشيوعية الماركسية و اللينينية ، العلمانية ، الليبرالية ، الفاشية ، و غيرها ) .
3- ارتباط المرجعيات الإسلامية بمفهوم القداسة ، التى نتجت عن استقاء أصول و ثوابت هذه المرجعية من الدين الذى يحمل قدسية خاصة عند معتنقيه ، مما أصبغ على هذه المرجعيات فكرة الصواب المطلق ؛ و بالتبعية فكرة الخطأ المطلق على ما يغايرها ، و ذلك و إن لم يكن بشكل فكرى خالص - نتيجة الاعتقاد فى أن الفهم البشرى للدين و استقاء الأصول منه يختلف عن الدين المقدس فى حد ذاته - فإنه بلا شك تم بشكل عاطفى و نفسى نتيجة الخلاف الواضح و الصريح بين ثوابت و قيم الدين و بين العديد من الأصول و المنطلقات لهذه المرجعيات المغايرة ؛ خاصة فى فلسفاتها حول الوجود البشرى و أهدافه ، مما أحالها - من هذه النظرة - إلى مشاريع فكرية شريرة و هادمة .
4- ارتباط المرجعيات القومية بالمكان ، فالمكان هو جزء من المرجعية و يحدد كثيراً من منطلقاتها ، فبزوغ مرجعيات أخرى من أماكن مختلفة ، حينما تواكبه حالات الضعف و الاضمحلال ، يؤدى إلى اتهام هذه المرجعيات بالعدائية و من ثم فإن ذلك يكرس لنظرية المؤامرة و يؤكد على صحتها .
5- الظروف التاريخية ؛ التى مرت بها أمتنا ، و التى يمكن تفسير الكثير منها من خلال نظرية المؤامرة .
كل هذه الأسباب و غيرها ، أدت إلى رواج نظرية المؤامرة و تدعيمها ، بل و اعتبارها - فى بعض الأحيان - ثابت كونى لا يصح النقاش حوله .

3- القدرة التفسيرية لنظرية المؤامرة

على الرغم من قدرة نظرية المؤامرة التفسيرية للعديد من الظواهر التى مرت بها أمتنا ، إلا أنها وقفت عاجزة أمام الكثير من الأمور ؛ التى لا يمكن تفسيرها انطلاقاً من النظرية ، من أهم هذه الأمور :

1- الصراعات العنيفة التى دارت بين المرجعيات المختلفة و المغايرة تماما ؛ و هو ما ينفى أى شبهة تآمر أو تخطيط مسبق ؛ ذلك أن بعض هذه الصراعات وصلت إلى درجة التعدى العسكرى ، و هو ما يؤكد أن منطلقات هذه المرجعيات المغايرة لا يمكن اختزالها فى منطلقات تآمرية و حسب ، و هذه الصراعات قد تصور لنا أن المعركة هى معركة وجود بين مختلف الأطراف .
2- الخلافات الفكرية العنيفة بين المرجعيات و الايديولوجيات المغايرة ؛ بل و حتى بين أتباع الايديولوجيا الواحدة ، و التى عند تأملها نجد أنه قد بذل فيها مجهود فكرى و تنظيرى ضخم جداً ، و هو ما يصعب ترجمته من خلال نظرية المؤامرة .
3- غياب الدافع الحقيقى للتآمر عند الكثير من منظرى و أتباع المرجعيات المغايرة ، فلو افترضنا أن هذا التآمر هو ضد الفكرة الإسلامية ؛ فبماذا نفسر تآمر الكثير من اللادينيين أصحاب المذاهب الفكرية المختلفة .
4- البعد التاريخى ؛ و الذى يؤكد أن كثيرا من المرجعيات و الايديولوجيات المختلفة ، هى أصلاً مؤصلة من قبل ظهور الإسلام و تبلور الثقافة العربى ، فنظريات فلاسفة اليونان و الصين و مصر القدماء ؛ مليئة بالأفكار التى تتشابه إلى حد بعيد مع المرجعيات الغربية المغايرة ، فعلام كانت تتآمر هذه النظريات القديمة إن لم تجد أصلاً ما تتآمر عليه !!!!
5- الاقتناع الكامل بالكثير من المرجعيات الغربية من قبل العديد من المفكرين العرب و المسلمين ؛ مع احتفاظهم بالانتماء الوطنى و القومى ، و العدائية الكاملة لأعداء الأمة ، و هنا مثلاً لو ضربنا مثالاً على المرجعيات اليسارية ؛ فلاشك أن اليسار المصرى أو المغربى – برموزه البارزين - لم يتحالف يوماً مع اليسار الإسرائيلى .
هذه الأمور و غيرها ، لم تستطع – فى رأيى – نظرية المؤامرة ، إيجاد تفسيرات مقنعة لها .

4- إشكاليات الإيمان بمطلقية النظرية

أقصد بالمطلقية هنا ؛ الاعتقاد فى صحة النظرية المطلقة ، و اعتبار النظرية ثابت و منطلق نستطيع التحرك منه .
هنا ستصادفنا عدة إشكاليات من أهمها ؛ أن نظرية المؤامرة هى نظرية تفسيرية ، و التفسير يشغل موقعاً خطيراً و حساساً فى منظومة الفكر العام ، ذلك أن التفسير هو الذى يحدد المنطلقات و الغايات و الأهداف ، من هنا فإنه إن حدث خلل واضح فى التفسير ، فإن ذلك يوقعنا فى شرك الشرود الفكرى ، و من ثم فإنه يكرس لحالة الشرود الحضارى .
من السلبيات التى ستواجهنا أيضاً ، رؤية الآخر بنظرة معينة تقضى بأنه عدوٌ متآمر ، و من ثم رؤية كل ما أتى به على أنه منهج تآمرى فاسد ، و لا يحمل أى وجاهة و لا مبررات فكرية أو منطقية ، و كل ما يحويه من خير إنما هو من باب التمويه و دس السم فى العسل ، و ذلك المبدأ يخالف الطبيعة الإنسانية و البشرية ، و التى تقضى بأنه من المستحيل أن يجتمع كمٌ هائل من البشر على شر محض ، كما أنه يضعنا فى خانة العداء الشديد مع كل الأطراف المغيرة ، و هو ما ينقلنا إلى نقطة فى منتهى الخطورة ، و هى انتشار روح اليأس و الإحباط ، ذلك أن العالم كله يقف ضدنا .
توجد أيضاً إشكالية كبيرة ، و هى إلى حد ما تتعلق أيضاً بالاشكالية التفسيرية ، و هو أن كل الأسباب الداخلية و الحضارية التى أدت إلى تراجعنا و شرودنا ، سيتم إهمالها و يعول بشكل كبير على الأسباب الخارجية التى هى السبب الأول فى كل ما حدث لنا ، و بالتالى فإن المهمة الكبرى المنوطة بنا هى البحث عن نقاط ضعف أعدائنا و إظهارها ، فتتكاثف الجهود لذلك ، مهملة تماماً ، البحث عن نقاط القوة فى الذات و تدعيمها ، أى أننا سننشغل بهدم الآخر عن بناء أنفسنا .
كل ما ذكرته من سلبيات و إشكاليات ؛ فغنه يتعلق بالاعتقاد فى مطلقية النظرية ، لأن إهمال النظرية تماماً ، و الرؤية البريئة للآخر ، لها أيضاً العديد من السلبيات التى ربما تفوق ما قد سبق ، و لكن - فى رأيى – أن الأمر يصبح مفهوماً أكثر ، إذا فهم من خلال نموذج التمدد الحضارى و الفكرى .

5- فكرة التمدد الحضاري واختلافها عن نظرية المؤامرة

فكرة التمدد الحضارى و الفكرى ؛ يتناولها البعض تحت عنوان صراع الحضارات ، و هو ما أرفضه ظناً منى أن الأمر تحت هذا العنوان يفقد الكثير من قدرته التفسيرية للكثير من الأحداث التاريخية التى مر بها الجنس البشرى .
الفكرة ؛ يمكن التعبير عنها بأن كل فكرة إنسانية – بسيطة كانت أو معقدة – بمجرد توليدها ، فإنها تدخل فى معركة لإثبات الوجود و الانتشار و السيادة على بقية الأفكار الأخرى المطروحة ، و هكذا الأمر يطبق على الايديولوجيات و المرجعيات المختلفة ، فكل منها يسعى للتمثل على أرض الواقع فى نموذج حضارى سائد و مثالى .
و هنا نجد أن الفرق واضح و كبير بين هذه الفكرة و بين نظرية المؤامرة ، فنظرية المؤامرة تفترض السعى لهدم الآخر ، أما فكرة التمدد الحضارى فتفترض السعى من أجل إثبات الوجود .
و انطلاقاً من هذه النقطة ؛ فإننا لا ننفى الخيرية و الوجاهة عن المرجعيات و الأفكار الأخرى ، و لا نفترض العدائية المباشرة بين الأطراف الأخرى ، و لكننا فى ذات الوقت لا نفترض حسن النية المبالغ فيها ، لأننا نعلم أن النماذج الحضارية المختلفة تسعى فى النهاية لإثبات وجودها ، بل و سيادتها على النماذج الحضارية الأخرى .

فى الختام ،، أعلم أن الموضوع كبير و معقد ، و لا يمكن تغطية كل جوانبه فى تدوينة بسيطة ، و لكن فى النهاية أتمنى أن أكون استطعت إيصال وجهة نظرى لحضراتكم ،،،، و الله المستعان .

7 comments:

  1. كم أحب العقل النقدي والرؤية الموضوعية وتسلسل الافكار وترابطها وسهولة اللفظ وبلاغته ووضوح الفكرة وتركيزها ، اجد كل ذلك متمثلا في هذا المقال ..تحياتي لقد صرت عاشقا لهذا القلم

    ReplyDelete
  2. اكثر من رائع
    انصحك بترك الصيدله فورا
    ****
    اشعر ان مفردات الدكتور عبد الوهاب المسيرى متمثله بقوة فى المقال ، هل هذا صحيح ؟؟

    ReplyDelete
  3. مش محتاج نصيحتك يا هيكل
    الراجل كاره الصيدلة اصلاً

    ReplyDelete
  4. د مصطفى ، و الله لا أجد من الكلمات ما يمكننى أن أعبر لك عن مدى سعادتى بمجاملتك الرقيقة

    ربنا يكرمك و يعزك

    ReplyDelete
  5. ربنا يكرمك يا هندسة ،،، متشكرين على الرد الجميل ده ،، ايوة فعلا انا متأثر فى تناول الموضوع ده بمصطلحات الدكتور المسيرى جدا ،، بصراحة انا بحس ان المنهج الفكرى اللى أسس له الدكتور المسيرى احنا فى حاجة ليه جدا ،،، بالنسبة للصيدلة بقى اهو عمار قاللك بس للأسف ليس كل مايتمناه المرء يدركه

    ReplyDelete
  6. مقال جيد للغاية
    اجمل ما اعجبني فيه وضوح اسلوب مدرسة المسيري فيه و هو رجل صاحب مدرسة فكرية جديدة و لابد له من اتباع لترويجها

    ثانيا انك وصلت في النهاية لنفس القناعة التي اؤمن بها انها ليست مؤامرة بالشكل الكامل او الذي يتصوره العامة و لكن هي اليه دفاعية للحضارة الاقوي في ان تكتسح و تحتوي و تصهر كل ما دونها من حضارات بشتي السبل و الوسائل
    و لكن لابد ان نتعلم شيئين

    اولا ان لا ننظر لكل شئ بشكل اختزالي و ان نسطح مقولتنا في كلمة واحدة ( لا هم شياطين يريدون تدميرنا ولا نحن بالملائكة نسير علي الارض )

    ثانيا معرفة ان الاخر هو انسان مثلنا تماما و عدم العيش في ثقافة المنهزم المغلوب علي امره و ان الاخر هو شئ خارق للعادة , ان استطاعوا هم التقدم و ايجاد ايديولوجية او فكره لحضارتهم فيمكننا نحن ايضا كذالك

    العلاقات الدولية بشكل عام هي عبارة عن تدافعات , كل يحاول ان يفسح لنفسة مكان تحت الشمس بالقوة الناعمة اليوم و ان قاومك الاخر اليوم فسيرضخ لك مثلما فعل مع تركيا و كوريا الجنوبية و ايران

    ReplyDelete
  7. د شمس الدين : سعيد جدا بتعليقك ،، و اتفق معك تماما فى إن المنهج الللى أسس له الدكتور المسيرى الله يرحمه يحتاج إلى من يهتم بيه و ينشره و يروج له ،،، كما قلت فإن هناك الكثير من الأحداث التى يمكن تفسيرها بنظرية المؤامرة ،، و لكن النظرية تقف عاجزة أمام الكثير من الظواهر الأخرى ،،، لذلك فإن نموذج التمدد الحضارى - فى رأيى - هو أوسع و أشمل و أقدر على التفسير

    ReplyDelete