الانطلاقات الحركية و إشكالياتها
1- مفهوم الانطلاق الحركى .
2- العقائد ( المرجعيات العليا ) .
3- الايديولوجيا .
4- الاستراتيجية الحركية ( منهج العمل ) .
لقد شهدت بلادنا منذ بدايات القرن الماضى بزوغ الكثير من الحركات ، سواءاً كانت هذه الحركات متمحورة حول قضايا التحرر الوطنى ، أو حول قضايا سياسية ، أو فكرية ، أو دعوية ، أو قضايا الإصلاح العام فى المجتمع .
و قد حاولت فى هذه التدوينة البسيطة ؛ أن اتعرض سريعاً لأهم أشكال الانطلاقات الحركية ، و الإشكاليات التى تواجه هذه الانطلاقات ، ذلك أننا - اليوم - فى بلادنا - نحتاج إلى حركات تنويرية واعية ، تعمل فى كافة المجالات ، مستفيدةً من التاريخ الحركى الذى سبقها ، قادرةً على تلافى السلبيات و الأخطاء التى وقعت فيما مضى .
و أرجو أن تعذرونى على الإطالة الشديدة ، فقد حاولت التلخيص الإيجاز قدر استطاعتى ، و فكرت بتجزئة التدوينة ، و لكن نظراً لترابط الموضوع لم يمكننى فعل ذلك .
و أسأل الله العظيم ؛ أن يوفقنى - على الأقل - فى طرق هذا الباب البالغ الأهمية و لفت الأنظار إليه .
1- مفهوم الانطلاق الحركى :
ما أقصده بالانطلاق الحركى ؛ المنظومة التى تعتمدها الحركة - أياً كان تخصصها - فى نشاطها العام مع المجتمع و الأطراف الأخرى التى تحتك بها ، و هذه المنظومة تتشكل من ثلاثة أركان أساسية هى المنطلقات ، الوسائل ، الغايات و الأهداف .
· المنطلقات : و هى النقاط الابتدائية - أو كما نسميها الثوابت - التى تضعها الحركة لنفسها ، و تحدد على أساسها الأهداف التى تريد الوصول إليها انطلاقاً من هذه الثوابت ، و الوسائل التى ستمكنها من الوصول إلى هذه الأهداف .
·
الوسائل : هى كافة السبل و الطرق الممكنة التى تسلكها الحركة فى إطار ثوابتها و ضوابطها للوصول إلى أهدافها و غاياتها .
· الأهداف : و هنا أقصد الأهداف المرحلية لكل مرحلة من مراحل العمل ، طبقاً لخطة هذه المنظمة أو الحركة ، كما أقصد أيضاً الغايات النهائية ، و التى تحقيقها يعنى نجاح الحركة الكامل ، و فى بعض الأحيان يعنى عدم ضرورية وجود الحركة أصلاً .
2- العقيدة ، و الانطلاق العقدى :
إذا أردنا أن نكشف فى المعجم عن الأصل اللغوى لكلمة عقيدة ، سنجدها فى مادة ( ع - ق - د ) ؛ باب العين فصل القاف مع الدال .
و من ذلك يمكننا أن نعرف العقيدة لغةً ؛ بأنها الشئ الذى يعقد عليه ، و العقد هو أعلى درجات الرباط .
و تحتاج العقيدة لتتكون بهذا الشكل ثلاث مراحل :
أ- مرحلة عقلية : هنا تحدث قناعة عقلية تامة بمبادئ و أصول هذه العقيدة .
ب مرحلة إيمانية قلبية : هنا تتمثل هذه القناعة فى عاطفة إيمانية صادقة .
ت- مرحلة سلوكية : هى نتيجة طبيعية لهذه لعاطفة الحقيقية ، و هنا نجد أن الإيمان بهذه العقيدة متمثل فى تصرفات الإنسان و سلوكياته .
للعقيدة خصيصيتان فى منتهى الأهمية :
1- قد تكون العقيدة عبارة عن فكرة بسيطة ، أو عدة أفكار مركبة ، فتركيبية الأفكار ليست شرطاً من شروط العقائد .
2- العقائد لا تخضع - مطلقاً - للتغيرات المجتمعية الزمانية أو المكانية ، و على ذلك فإنه يمكننا أن نقول أن العقيدة تتجاوز الزمانية و المكانية .
و هاتان الخصيصيتان هما من أهم مايميز العقيدة عن الايديولوجيا ، و سنتعرض لذلك بالتفصيل فيما بعد .
كما أن العقائد لها معايير كمية ، فهناك من يعتقد فى شئ بنسبة 30 بالمائة ، و هناك من يعتقد فى نفس الشئ بنسبة 90 بالمائة ، و من هنا نستطيع تفسير قول رسول الله ( صلى الله عليه و سلم ) لصحابته ؛ ما سبقكم أبو بكر بكثير صلاة أو صيام ، و إنما سبقكم بشئ وقر فى قلبه ، مع أن الصحابة كانوا مؤمنين ، إذن فهناك معنى آخر – توحيه إلينا كلمة سبقكم – ذلك المعنى فى رأيى هو المعيار الكمى .
و للعقائد أمثلة كثيرة نذكر منها :
1- الاعتقاد فى وحدانية الله : يقول الله تعالى ” ما اتخذ الله من ولد و ما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق و لعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ” صدق الله العظيم .
2- الاعتقاد فى المبدأ الحلولى الكمونى ؛ و الذى يبين لنا أن الإله قد حل تماماً فى الكون ، وبذلك فإن المرجعية النهائية - التى كان الإله مركزها - أصبحت كامنة فى هذا الكون حالةً فيه ؛ و من هذه العقيدة تولدت العديد من الايديولوجيات و الفلسفات الغربية ؛ خاصة فيما عرف بعصر التنوير بأوروبا .
3- الاعتقاد فى أن الإله قد حل فى إرادة الشعب : و هو ما أسس للفكر الماركسى و الثورى بشكل عام .
4- الإعتقاد فى أن المسيح هو ابن الله .
و غير ذلك الكثير و الكثير من العقائد التى مر بها التاريخ البشرى .
الانطلاق الحركى من العقائد فحسب ، بمعنى الانطلاق المباشر من العقيدة قبل صياغة الايديولوجيا ، أو تحديد الاستراتيجية ، يؤدى ذلك إلى ظهور حركات تتميز بقدر عالٍ من الحماس ، و لكنها تفتقر إلى النضج الفكرى و الحركى .
تعرف هذه المرحلة ؛ بمرحلة الصحوة .
يمكن التمثيل على ذلك ؛ بالحركات الإسلامية فى السبعينيات و الثمانينيات فى مصر .
3- الايديولوجيا :
يمكننا أن نعرف الايديولوجيا ؛ بأنها مجموعة من الأفكار التى تتعاقد و تتشابك لتنتج ما يعرف " بالمنهج الفكرى المرجعى " ، الصالح لمرحلة زمنية معينة ، بمكان و واقع معين .
و المنهج الايديولوجى ؛ هو منهج تطرح فيه الإشكاليات الفكرية المثارة ، كما تطرح الرؤى و الحلول التى تتبناها الحركة و المنظمة .
كيف تصاغ الايديولوجيا ؟
1- بدايةً ؛ تحتاج الايديولوجيا إلى عقيدة واضحة ترتكز عليها ( و هى التى تحدد الثوابت ) .
2- بالإضافة إلى الأفكار النظرية التى تعتمد على طبيعة المكان و الزمان ( الرؤى الحالية ) .
3- و تحتاج لصياغتها إلى وجود منظرين فاعلين ، يعملون على الربط بين المبادئ العقدية " الثوابت " و الأفكار النظرية " الرؤى " .
انتشار المنهج الايديولوجى : يعتمد المنهج الايديولوجى فى انتشاره فى المجتمع على عدة عوامل من أهمها :
1- العقيدة التى يستقى منها ذلك المنهج ، و تواجدها فى المجتمع بمعياريها الكيفى و الكمى ، فالمجتمعات الإسلامية أكثر تقبلاً للايديولوجيات المستقاة من عقائد إسلامية ( المعيار الكيفى ) ، و المجتمعات الأكثر تمسكاً بالإسلام و مبادئه ستصبح أكثر قابلية لانتشار الايديولوجيات الاسلامية وسطها عن المجتمعات الأقل تمسكاً بالإسلام ( المعيار الكمى ) .
2- ملائمة الأفكار النظرية الموضوعة ( الرؤى ) للواقع و إشكالياته .
3- فعالية منظرى ذلك المنهج الايديولوجى فى صياغته ، و توصيله للشرائح المختلفة فى المجتمع .
كما نذكر ؛ أنه من أهم خصائص المنهج الايديولوجى الواضح و الواقعى ؛ أنه يضمن إلى حد كبير الوحدة الفكرية بين أبناء الحركة أو المؤسسة المتبنية لهذا المنهج ، و ذلك دون الوقوع فى إشكالية القولبة ، ذلك أن المنهج الواضح يمكننا من تحديد الأطر جيداً ، و التمييز بين الثوابت و الرؤى الحالية ( الزمانية و المكانية ) .
الانطلاق الحركى المباشر من الايديولوجيا ( دون تحديد استراتيجيات حركية واضحة ) يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى عام ، و لكنها تفتقر إلى النضج و الوعى الحركى
و ذلك ما يؤدى - فى الغالب - إلى ظهور نتائج أقل من المتوقعة ، و هو ما يؤدى بطبيعة الحال إلى انخفاض مستوى الحماس العام بين أفراد الحركة أو المؤسسة .
4- الاستراتيجية الحركية " آليات العمل " :
يمكن أن نعرف الاستراتيجة ؛ بأنها مجموعة من الخطوات المتتالية ، المخطط لها مسبقاً من قبل حركة أو منظمة .
أما الحركية : فهى تتعلق بنوعية التخصص و المجال الذى تعمل به الحركة أو المنظمة ، فإذا كانت تعمل مثلاً فى المجال السياسى ، نستطيع أن نتحدث عن الاستراتيجية السياسية .
تعتمد الاستراتيجية الحركية على :
1- المنهج الايديولوجى الذى تتبناه المنظمة أو الحركة ؛ بثوابته العقدية الفلسفية و رؤاه الحالية ( الزمانية و المكانية ) .
2- القاعدة الجماهيرية لهذه المنظمة .
3- موازين القوى على صعيد العمل النوعى التخصصى الذى تعمل المنظمة من خلاله .
4- المناورات و التكتيكات الحركية ، و ضوابطها النوعية و الكمية ، طبقاً لايدولوجية المنظمة .
الانطلاق الحركى من الاستراتيجية الحركية المرتكزة إلى ايديولوجيا حقيقية يؤدى إلى ظهور حركات تتميز بنضج فكرى و حركى .
و هو ما يؤدى فى الغالب إلى ظهور نتائج إيجابية ، و بالتالى فإن هذه المرحلة تتميز بجماس عالٍ نظراً لإيجابية النتائج .
مثال : حزب العدالة و التنمية التركى ؛ نجد أنه يتميز بعقيدة راسخة ، و ايديولوجيا واقعية ، كما أنه يمتلك استراتيجية حركية متميزة .
مقارنة تجميعية بين الأشكال المختلفة للانطلاقات الحركية
وجه المقارنة | الانطلاق العقدى | الانطلاق الايديولوجى | الانطلاق الاستراتيجى |
درجة الوعى | منخفض | مرتفع | مرتفع |
درجة الحماس | مرتفع | منخفض | مرتفع |